زمن الضياع..

كثيرا ما اعتقدتّ أن القرن التّاسع عشر هو زمن الضّياع.. أين استُبيحت الأمّة الإسلامية من الاحتلال الغاشم.. وتقطّعت بين علماء الدّنيا وعلماء السّلطان.. وصارت الحكومات سفارات لدول الاستبداد العالمي.. وتفسّخت خيوط المجتمع بين أصاليّين غارقين في الجهل بالدّنيا متّكلين على ميراث مخلوط بين الرّث والسّمين، وبين حداثيّين همّهم الوحيد تعرية المرأة وقصّ الشّوارب والّلحى..
واعتقدت أيضا أنّنا في زمن تكشّفت فيه الغمامات والظّلمات.. وصار الحقّ جليّا واضحا.. وأنّه ليس أمامنا إلاّ بدء العمل والتّوجه نحو القصد المعروف والمشاهد..
لكنّي لازلت أُصدم يوما بعد يوم.. بأنّنا لا زلنا في عصر الضّياع للقرن الثّالث على التّوالي.. لا زلنا نعتبر أن الصّلاة طقس وممارسة، مثلها مثل اليوغا والتّأمل.. لا زلنا نعتقد أنّ الغرب تقدّم لأنّه شرب الخمر وأباح الزّنا، لا لأنّه درس وتعلّم وفكّر.. لا زلنا نومن أنّ أغلى ما في المرأة سيقانها، وإذا أخفتهم ماتت! لا عقلها وعاطفتها وعفّتها وأنوثتها.. لا زلنا نعتقد أن القّشّابيّة والعباءة والعمامة تحجب الهواء عن العقل، وليس التّعصب والإقصاء والوصاية على العقول والشّعوب..
نحن نعيش دائما في عصر الضّياع.. وكأنّ قروننا الوسطى لم يكتب لها أن تنجلي بعد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق