من نواميس النفس.. الاقتراب من النار مدعاة للاحتراق

لقد حرم الله تعالى الاقتراب من الزّنا، كما حرّم الاقتراب من الفواحش كلّها، وأخبرنا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ الخوض في الحِمى نتيجة لمن حام حوله.. ذلك أن النّفس البشريّة طمّاعة بطبعها توّاقة للأكثر ومجبولة على الفضول.. ومتى مَشينَا عشر خطوات في اتجاه معين، تمنّينا الخطوة الحادية عشر، ومتى شربنا شربة من العسل تمنّينا الشّربة الثّانية..
لذلك فإن السّبب الرئيس للفشل هو السير في طريقه!.. قد تبدو هذه المقدّمة سخيفة، لكنّنا نسير عليها في غالب أفعالنا.. فنحن نعلم أن الرّسوب فشل، لكنّنا نسهر على الأفلام والمسلسلات، ونستمع للموسيقى والأستاذ يحاضر، ونمتنع عن تدوين الدّرس والملاحظات، ونُبرمج الخرجات والسّهرات أيّاما قبل الامتحانات.. ونقول بعد كل هذا.. نريد أن ننجح؟!
وبمفهوم المخالفة، السّبب الرئيس للنّجاح هو السير على طريق النّجاح.. لكنّنا في حياتنا لا نأبه بهذا.. يستثقل التّاجر القيام باكرا، ويتأفّف على الزّبائن، ويرمي السّلعة ولا يُنقِص من ثمنتها، ثمّ يقول: أريد أن أنجح؟!
إن هذه الأمثلة وإن كانت حسّية، لكنّها تنسحب على كل السّلوكات والطّبائع النّفسية، فلكل آفة نفسيّة مقدّمات ومحفّزات، ولكلّ فضيلة نفسيّة مقدّمات ومحفّزات كذلك.. ولا يتحقق النّجاح في تحصيل فضيلة أو دفع رذيلة إلا بالاقتراب رويدا رويدا من الأولى والفرار من الثّانية.

نواميس النفس البشرية.. خفاء الارتباط

من أسباب إعراضنا عن نواميس النّفس خفاء ارتباطها، وخفاء مظاهرها ونتائجها.. ولنضرب على ذلك مثالا: عندما يرمي أحدهم نفسه من مكان شاهق، فتنكسر رقبته ويموت! يدرك الجميع أنّه خرق قانونا من قوانين الكون، ويدرك أنّ هذا الموت هو نتيجة حتميّة للتّردي من الأعلى، ويستوي في ذلك عالم الفيزياء والأمّيّ الذي لا يقرأ ولا يكتب.. ولكنّ القلّة القليلة من النّاس من يمكنه الخوض في الأسباب التي دفعت هذا الشخص لأن يرمي بنفسه، وما الذي جعل إنسانا عاقلا يصل لهذا الفعل الشّنيع,,
ولإن كان علم النّفس قد خاض في هذه الأمور، ودقّق في أسرار النّفس البشرية، إلاّ أنّ تصدّي الملاحدة وأعداء الدّين لها العلم النّفيس جعل ملاحظاتهم ونتائجهم تدور حول تدوين الظّواهر وتقنين السّلوكات البشرية دون التّفريق بين السّوي منها وغيره، حتى وصل بهم المطاف إلى تدوين المثلية والشّذوذ الجنسيّ على أنّه سلوك طبيعيّ؟!
ولسنا هنا بصدد الخوض في علم النّفس أو المزايدة عليه، إنّما نريد أن نستشفّ منه بعض الملاحظات التّي تفيدنا في تقويم سلوكنا والسير في طريق النّجاح وتقويم إخفاقاتنا واعوجاجاتنا.

العيش المشترك.. (2)

لقد أظهر العيد على بركته وقدسيته مساوئ مجتمعنا وعيوبه من حيث العيش المشترك واحترام الآخر. لقد أضحينا في زمن لا يهتم الواحد منّا إلا بنظافة منزله من الداخل، أما خارج بيته، فلا يأبه إن جرّ الأدران والأوساخ إلى جيرانه وكلّ من يعيش معه في الحي..
عندما نتصرّف كأفراد لا يربطنا إلا رمز الوطن وشعار الدولة وحبر القانون: نذبح أضاحينا ونريق الدّماء على البلاط حتى يتعفن أمام منازلنا.. نرمي بجلد خروفنا عند باب جارنا في العراء دون كيس أو مُطهّر أو ملح.. ندفع الأوساخ وبعر الخروف بالماء والمكنسة ليجري عند باب جارنا لنتّهم الجار بعد ذلك في نظافته وطهارته.. نُخرج قماماتنا وفضلاتنا في أشباه أكياس ممزّقة فتنهشها الكلاب والقطط وتجري بها في الشّوارع تنقلها من زقاق إلا زقاق.. وعندما نريد أن نُخلّص أنفسنا من كلّ هذا، نحمل كلّ فضلاتنا في السيّارة ونرمي بها في أقرب نقطة فوضوية أمام عمارة سكنيّة أو في حيّ آخر لنبتليه بِبَلاوِينا!!!
هذا هو العيش المشترك لأمّة التّوحيد والإيمان والعبادة؟!

العيش المشترك.. (1)

تُظهر بعض المناسبات مدى مقدرة الأفراد على العيش المشترك.. هذا العيش المشترك الذي يعتبر من معايير تطوّر المجتمع حضارته.. فتقدّم المجتمع وتصنيفه كمتحضّر ومتخلّف لا علافة له بمدى انتشار التّكنولوجيا والأموال والسّيارات الحديثة.. بل بمقدرة أفراده على إعطاء صورة جماعية سليمة لمجموعتهم البشرية..
ولا يتأتّى ذلك إلا بمجموعة قيم تنظّم العلاقة بين الأفراد من جهة وعلاقة الأفراد مع المحيط.. من هذه القيم احترام المحيط بالحفاظ على المساحات الخضراء والاعتناء بها ولم لا إنشاؤها وتهيئتها، وعدم رمي النّفايات المنزلية بها ووضع القمامات في الأماكن المخصّصة لذلك.. ومن هذه القيم كذلك، احترام الجار بعدم التعدي على حيزه الخاص، وعدم رفع الصوت والامتناع عن الضوضاء باكرا أو في المساء.. ومن هذه القيم الاهتمام بالحياة العامة من تنظيم للنّشاطات وتسيير للموارد المشتركة من مياه وكهرباء..
هذه القيم التي تبنى عليها الحضارة الحديثة اعتنى بها آباؤنا عندما أنشؤوا الحواضر من بغداد إلى قرطبة مرورا بالقاهرة والقيروان وبجاية وتلمسان وتيهرت.. لكنّنا اليوم أبعد عن هذه الحضارة وكأننا قوم بدائيون هم أقرب للبهائم منهم إلى البشر..

النواميس.. مبدأ من مبادئ هذا الكون

الله خالق كلّ شيء، وهو القادر على إنفاذ أمره بسبب وبغير سبب.. لكنّه سبحانه وتعالى، لحكمة يعلمها، ابتلانا بالأسباب، وشرع لنا في ديننا البحث عن الأسباب واتّخاذها في معيشتنا.. وتخضع هذه الأسباب لنواميس الكون التي أودعها الله وطلب منا اكتشافها وتقصّيها ووضع العلوم التي تُعنى بها.. من هذه النّواميس ما تعلّق بالطّبيعة، كقوانين الفيزياء والرّياضيات والأحياء وكل العلوم التّجريبية الحديثة.. ومنها ما تعلّق بالمجتمعات الإنسانيّة وغير الإنسانيّة ممّا ينتظم به سير الجماعات والمجموعات والأسراب.. ومنها ما تعلّق بالنّفس البشرية، وهو موضوع مقالنا هذا..
فكما تستيقن أنفسنا أن الخوض في النّار مهلكة للبدن، وأن التّعرض للبرد بعد حمّام ساخن يورث المرض، ينبغي لنا أن نستيقن من السنن التي أودعها الله في أنفسنا وفطر عليها غريزتنا.. وإن كان الإنسان قد خطا خطوات كبرى في هذا المجال نظريا وعلميا، إلا أنّ التزامنا بهذه السّنن يبقى مفقودا في حياتنا، فعلى الرّغم من معرفتنا بأنّ الله هو خالق قوانين الطّبيعة وقوانين النّفس، إلاّ أنّنا نحترم قوانين الطّبيعة احتراما حادّا ونحن نعلم أن الله قادر على خرقها، وندوس على قوانين النّفس متجاهلين أوامر الله باحترام كلّ قوانين الكون وكأنّ لهذه القوانين خالق آخر غير الله تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا..