عمن تأخذون دينكم..؟

بعض الأحاديث والنقاشات التي استمعنا إليها صغارا، وكنا نتسامر بها وعليها، وأطلنا فيها القيل والقال حتى خلتها ولت، عادت وعاد بعض الناس ممن خلتهم انقرضوا يعيدون الناس والمجتمعات إليها، وهم بذلك يردون العجلة إلى نقطة البداية، ويضربون عداد التقدم في الصفر المطلق!
وهم بذلك يخدمون فكرا ومنهجا وعقيدة واضحة مبنية الأركان والخطط من حيث يعلمون أو لا يعلمون. ولست هنا لأرد على هذه الأحاديث لأنها -كما أسلفت الذكر- ولت وانقرضت، وإنما أردت أن أبين موقعها في خضم مشهد أراده البعض أن يتحقق، ونحن عنه غافلون.
لقد عادت للواجهة أحاديث وأقوال تشكك في فرضية الحجاب، وشرعية التراويح، وصحة عذاب القبر، وجواز الجهاد دفاعا عن الأرض، وشرعية الجهاد في فلسطين، وشرعية الدعاء على اليهود، وغيرها من المواضيع التي انفجرت بها بعض قنوات الصرف الفضائي، وانسقنا وراءها ردا وتعليقا.. وهي أحاديث خرجت للأسف من رؤوس كان الناس يعدونهم زورا وبهتانا "ملتزمين" و"متدينين" بل وعدهم آخرون "علماء".
وإن كان قدر الحق والباطل في هذه الدنيا المدافعة إلى يوم القيامة، وخروج الدجالين والكذابين في كل وقت، وإخراج الله من المومنين من يرد عليهم ويبطل حجتهم ؛ إلا أن ظروف أمتنا المتخلفة، وحال بلداننا المتأرجح بين نيران شتى، جعل هذه الأصوات كالسم الذي ينخر في جسد عليل أصلا ومتوجع بأمراض متعددة.
والذي يزيد الطين بلة، أن شبابنا ألفوا أخذ الدين والفتوى من الأشرطة والفضائيات، وبنوا مناهجهم وأفكارهم من حديث التلفزيون والأنترنيت، فتخلوا بذلك عن طريق العلم الصحيح، والثقافة الحقة المبنية على المطالعة التعمقة، والنقد القويم السليم، وإعمال العقل. ناهيك عن انحسار الدافع الصادق الباعث على تحري الحق والصواب، وتحمله ولو لم يصادف هوى النفس. كل هذا جعل لهذه الأبواق الرخيصة مأجورة كانت أم بلهاء، ترتفع على صوت الأذان، وعلى صوت الحق. حتى صرنا نسمع من  يبرئ إسرائيل ويلوم الطفل الشهيد مستشهدا بما يحسبه نصا من القرآن!
فنصيحة لشبابنا ولجيلنا الحاضر، تحروا عمن تأخذون دينكم، وفتاويكم، وأفكاركم، فليس كل من تكلم على الهواء مفكر، وليس كل من لبس العمامة عالم، وليس كل من افتتح كلامه ببسم الله يريد خيرا لهذا الدين. وإن صادف كلامه هوى في قلوبكم، فإنه يجركم إلى الهاوية.