مع زوال شمس أيّام رمضان عن كبد السّماء.. تبدأ الحياة في الانبعاث من رماد الأسِرَّة وأفرشة الغرف.. ويجد البائعون مفاتيح دكاكينهم.. وتبدأ المَقَالي بمُعانَقَة الزّيوت الحامية على الزّلابيّة وأصابع القاضي.. وتبدأ صيحات التّجار وصرخات الأطفال في كسر حاجز الصمت!..
عندها ترى النّاس وقد بُعثوا من جديد.. وتسمع بمرورك على البيوت، أصوات المسلسلات وحصص الطّبخ المنسلّة من قنوات الإعلام الرّمضانيّ الذّائع الصّيت..
عندها ترى العائدين من أعمالهم وقد نشطوا وجرت الدّماء في أعماقهم للمعركة الحاسمة والملحمة اليوميّة.. صراع البيع والشراء.. واختيار البطّيخ والدَّلَّاع.. وانتظار الدّور عند بائع الشّاميّة.. وحراسة الجيب من مَرَدَة الإنس أولي الأيد الطّوال..
أمّا النّساء العائدات من أعمالهنّ.. فشغلهنّ أكبر وهَمُّهُنَّ أعظم.. فهنّ في صراع فلسفي وفكري جليل.. بين حتميّة الحَرِيرَة وتَرَف الشُّورَبَة.. بين فوائد الطّاجين الحْلُو وحلاوة الزّيتون والدّجاج.. بين شغف العجين وأريحيّة المطلوع والخبز السّوري..
هنا يبدأ البناء الحضاري ليوم رمضان.. وتبدأ ملامحه في التّجلّي.. لتتجسّد فيما بعد على مائدة يُؤكل بعضها ويُرمى جُلّها.. إلاّ من رحم ربي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق