ما أسماه الأراضي المحتلة

في معرض تقديم مذيعة الجزيرة لنشرة الأنباء (19-10-2012)، وعندما تعرضت لأقوال أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، قالت وبالحرف "ما أسماه الأراضي المحتلة"! وذلك تلميحا إلى أرض كانت بالأمس القريب تسمى فلسطين؟!
فهل هكذا يكون حمل هموم الأمة العربية والإسلامية، وهل هذه هي العروبة يا جزيرة؟ وهل هذه هي تباشير الربيع العربي؟ وهل الربيع العربي والثورات العربية قامت لكي تصبح كلمة "الأراضي المحتلة" كلفظة "الإرهاب" عندما ننقلها عن الأمريكان بقولنا "ما تسميه أمريكا بالإرهاب"؟ وهل بلغ حقدنا وكرهنا لإيران أن نقف بجانب أعدائها ولو كانت إسرائيل؟

من أجل التغيير

مجموعة مقالات متنوعة كتبها مفكرنا الكبير مالك بن نبي شكلت كتابه من أجل التغيير.
مجموعة مقالات تعطينا صورة ولو مجزوءة لحال البلاد بعد الاستقلال من وجهة مفكر عايش السنين الأولى للاستقلال، وكان في دائرة النخبة الفكرية والثقافية، وتابع عن قرب أولى الخيارات والتوجهات الفكرية والثقافية للدولة الفتية.
من خلال هته المقالات نكتشف شغف المؤلف ومن وراءه لفيف من المثقفين ببعض القرارات والمخططات التي تبنتها الدولة وقادتها في الجزائر وحتى في عالمنا العربي. يعكس طمعا وأملا في النهوض بمجتمع يبني ويساهم في الحضارة الإنسانية.
كما تعكس المقالات –إن قارناها بالواقع المعاصر- هشاشة التطور العام للمجتمع المحلي والعربي والإسلامي، في ضوء الانفصام الذي لازم ويلازم دائما النخبة بين الفكرة النظرية والواقع العملي المطبق. هذا الإنفصام الذي يؤدي دائما إلى قهقرة التقدم أشواطا كلما سار نحو الأمام شوطا. وهو ما يجعلنا نلاحظ اتساع الفجوة أكثر بين ما هو كائن، وما يجب أن يكون، وكل هذا بسبب المنومات التي نتعاطاها من الخطب والإعلانات ونشرات الأخبار والجرائد الصفراء. وهي منومات تجعلنا نسفه الأخطاء والأخطار والمصائب، إلى أن يلتهمنا الطوفان ونحن نيام أو سكارى.
ومن الصور التي لا زلت أتمثلها بعد قراءة الكتاب، ما آل إليه قبر الرسام دينيه ومنتجعه، من استغلال بشع وبعيد حتى عن أي جمالية أو ذوق.. بطريقة تنم عن الفوضى الجمالية والأخلاقية التي نعيشها بطريقة للأسف أقل ما يقال عنها أنها حيوانية! 

الإمتاع والمؤانسة

كتاب الإمتاع والمؤانسة من أمتع الكتب التي مررت بها، ومن أشدها جلبا لذهن القارئ، وأسهلها عليه.
الكتاب جمع فيه صاحبه أبو حيان التوحيدي حكايات سمره مع الوزير الحسين أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي. وكان أبو حيان جليس الوزير في هذه الليالي، يحادثه ويجيب عن أسئلته في شتى الألوان و الفنون.
والقارئ للكتاب يدرك الفرق بين حكام اليوم والأمس، وبين علماء اليوم والأمس. لقد كانت جلسات الوزراء أدبية، علمية، وفنية.. حتى المجونية منها. وكان الوزير يحب الاستمتاع بموالح الأدب، ودقائق الفنون، ويسمونه سمرا بعيدا عن عهر الغواني والفساق. وإن كان لهم نصيب من هذا الأخير، لكنه لم يكن ليمنعهم عن الأدب والعلم والشعر.
والكتاب يرفع الملل عن نفسه بتنوع مواضيعه، وتعدد مجالسه ولياليه. ويخوض في طوائف من أخبار الفقه والفلسفة والشعر والطب وغير ذلك.
وقد ذكر محقق الكتاب أن هذا التأليف عدا عن تعرضه للحياة البغدادية آنذاك، يعد أول من كشف عن مؤلفي رسائل إخوان الصفا المثيرة للجدل.

النظام

هل لدينا مشكلة مع القانون والالتزام به؟ أم أن مشكلتنا مع النظام كمبدأ؟؟ صراحة لا أجد تفسيرا لكثير من المواقف التي نشاهدها آلاف المرات كل يوم في أسواقنا، وطرقنا، ومدارسنا وجامعاتنا، ولا ننسى إداراتنا ومشافينا.
يكاد المتجول في بلادنا الحبيبة من شرقها إلى غربها لا يعثر على ذرة التزام أو احترام للنظام.. فإذا لحقت بإشارات المرور، لا تجد احترامها إلا إذا كان الشرطي واقفا بجانبها وينظر إلى السائقين في أعينهم ويشير إليهم بل ويصرخ أن احترموا إشارات المرور! وبمجرد إتاحة الفرصة لسائق بخرق الأولوية، أو زيادة السرعة أو التجاوز بغير حق.. حتى يستغل تلك الفرصة لتصبح المخالفة في ثوان حقا اكتسبه، إياك ثم إياك أن تعترض!
أما عن الانتظار في الأماكن العامة فحدث ولا حرج، فالانتظار كباقي الآدميين وبصبر وأناة صار ضربا من الجنون والسفاهة وعدم الحنكة، فلا تسمى رجلا أو امرأة إذا لم تأتي أخر الآخرين وتتقدم مباشرة أمام الشباك وتستعمل كل آلات "القفازة" (المقصود بالقفازة في عاميتنا الحنكة والدهاء والمكر) لتكون أول المسرحين والخارجين.. وإذا ما صادفت عدوا من أعداء الفوضى.. فهلم إلى السب والشتم والضرب والقلع.. وتلفيق القصص عن نهوضك على الساعة الرابعة صباحا وووصولك إلى باب المصلحة على الساعة الخامسة صباحا وو..
القفازة التي تنخر في جسم مجتمعنا جعلتنا حيوانات يتربص بعضنا ببعض، وجعلتنا نخرج من بيوتنا كل يوم متأهبين كالمقبل على الموت أو الحرب، وجعلت أولادا صغارا لم يتعلموا حتى كيفية قضاء حوائجهم ينصبون أنفسهم حماة للانظام، ويفرضون منطقهم على أهل العلم ومن كان يوما صفوة المجتمع.. في بلد صار فيه الالتزام بالنظام "نية"، و"هبلا"، وضربا من الحلم والخيال.

أمة تطلق زوجاتها من أجل الإسبان

قرأت خبرين عجيبين أملحين أقرنين! أثارا في نفسي اشمئزازا واحتقارا لا يوصفين لما وصل إليه حالنا العجيب الغريب.
الخبر الأول يتعلق باسقبال برشلونة بمناسبة لقاء الكلاسيكو بين البارصا والريال للجندي المحرر المسكين الطيب المحبوب شاليط! وهو أمر ليس فيه عيب. فأوروبا المتحررة حاملة لواء الحرية منذ قرون النهضة على يد الإسبان والبرتغال، ثم الفرنسيس والإنجليز، وأخيرا الأمريكان.. أوروبا هته لا يمكنها إلا أن تقدر رمزا من رموز الحرية والتحرر كهذا الأنوش، إبن أمه وأبيه، شاليط الذي عانى الأمرين على يد الإرهاب والإرهابيين. فكيف لا يحق للإسبان أن يحتفوا به ويجعلوه أيقونة للسلام.
الخبر الثاني محلي، ويتعلق بشاب، هو أيضا رمز للسلام العالمي، والحرية في أسمى معانيها، حرية التعبير والرأي والفرحة. هذا الشاب السطايفي أقدم على ركل زوجته تتويجها بأوسمة من درجة عاهة وضرب وجرح، ومنحها وسام "مطلقة من الدرجة الثالثة"، وذلك عرفانا لها وتقديرا على إبداء رأيها المساند للريال، والمخالف لرأي زوجها البرشلوني القح، والأسبنيولي الوقح!
هذان الخبران وردا في كل الصحف الوطنية جنبا إلى جنب، يحكيان واقعا مرضيا يعيشه شعبنا العاقل المجنون.. شعب يحب جلاده ويؤذي زوجته ويطلقها، ويطعن صديقه ويذبحه، وسيب أولاده من أجل عدوه بالأمس واليوم. شعب يطلق زوجاته من أجل لعبة ليس له منها لا المال ولا اللقب ولا الرسم. شعب أعلام البارصا لدى مقاهيه وحلاقيه أكثر من أعلامه الوطنية، ويتابع أخبار ساقطات نجوم البارصا أكثر من أخبار علمائه وقادته ومفكريه..
شعب كهكذا شعب! يستحق قادة وأوضاعا وظروفا.. والحق يقال أحسن بكثير!!!