الرزق الخفي

تحدّثت مع أحد أصدقائي الأطبّاء وقد ابتلي بأمراض مزمنة في والديه جعلته يتردّد كلّ أسبوع على هذا الطّبيب أو ذاك من مختلف الاختصاصات.. هذا الطّبيب يأخذ وقتا طويلا مع كلّ مريض يستقبله، ويطلب من كلّ المرضى فحوصات مكمّلة من تحاليل دم وصور أشعّة وفحوصات نفسيّة، ممّا جعله يكتشف في بعض الحالات عِلَلًا خفيّة للأمراض جعلته ذائع الصّيت ومحبوبا عند المرضى..
سألته عن سبب هذا الاستثمار الرّهيب والتّقصي اللّحوح لحالات المرضى، فأخبرني أنّ مرض والِدَيهِ جعله يختبر أنواعا من الأطبّاء لا ينظرون إلا عند أقدامهم، يقدّمون الوصفات للأعراض الظّاهرة ويغفلون عن الأسباب الخفيّة والعلل الّتي يمكن أن تكون كامنة وراء المرض ممّا قد يؤخّر البرء أو يؤدّي إلى وصف أدوية لا تليق.. ولولا أنّه طبيب، يبحث ويناقش الأطبّاء في كلّ مرّة، لوقعت الكوارث..
أخبرني أن تجربته مع والديه جعلته يخاف أن يكرّر ذلك مع المرضى الآخرين، ويخاف أنّه إذا أهمل التّقصّي الجيّد لمريضه أن يذوق من ذلك في والديه.. فصار يعالج كلّ مريض كأنّه أحد والديه..
وصارحني بجملة عجيبة.. لقد أنعم الله علي بأمراض والديّ لكي أقوم بعملي على الوجه الّذي يرضاه..
أدركت عندئذ أن الله قد رزقنا أرزاقا وأخفاها عنّا.. فهي رزق خفيّ.. في ظاهرها ابتلاء ونقص.. وفي مكنونها نعمة وسبب لأداء الواجبات وتجنب الوقوع في المحظورات..
فالحمد لله على كل حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق