حضرت خطبة الجمعة اليوم، وأعترف أنني لم أستمع منذ زمن إلى خطبة تمس المجتمع في الصميم، وتعالج أمرا من أمور الناس بعيدا عن تكرار الكلام السطحي الذي في مبناه رفيع ولكن لازمه في أذهان الناس مستهلك وخلِقٌ وبالي..
لقد حدثنا الخطيب عن التعليم في بلدنا وأثار جانبا نتناوله بخجل فيما بيننا، وإلقاؤه على الناس من على المنبر يحتاج إلى شجاعة وجرأة في الحق لم تنقص الخطيب بارك الله فيه، إنه جانب العدالة المشوهة في التعليم! العدالة التي أصبح الطلاب وأولياؤهم يطلبونها في غير محلها، فكيف ذلك؟
العدالة المحمودة في التعليم هي الحق في المعرفة، فلا ينبغي لنا أن نقصي من التعليم زيدا أو عمرا لسبب من الأسباب الشخصية، ولا أن نؤثر بالمعرفة أحدا دون أحد، وهذا مضمون ومكفول بالقانون والعرف.. أما العدالة المذمومة التي نعاني منها في أيامنا هته هي الحق في النجاح، والحق في الشهادة، وهي عدالة أوكست التعليم وميعت الشهادة وقضت على الكفاءة ورفعت الرداءة فوق مستوى الخبرات!
لقد صار الطالب ووليه يطالب بالنجاح والشهادة دون بذل الجهد ودون تقديم الجواب الصحيح ودون اجتياز الحد الأدنى من المعرفة الضرورية لأن هذا النجاح وهذه الشهادة -حسب رأيه- حق مكفول ولا ينبغي أن ينازعه فيها أحد ولو أدى ذلك إلى الإضراب وغلق الجامعات وشل الطرقات.. إنها العدالة الإجتماعية في التعليم.. فالحق في السكن والحق في الوظيفة والحق في الصحة تعدى بقدرة قادر إلى الحق في الشهادة والحق في النجاح!
فأي معنى بعد هذا للشهادة والكفاءة، وكيف نثق بعد اليوم في صناعة المهندس ودواء الصيدلي وووصفة الطيبب؟