الأبيض والأسود

قد اختلف معك في حكمنا على شيء أو شخص ما.. فتراه سيّئا وأراه حسنا، أو العكس.. وهذا ما يحدث دائما.. فحريّة الرّأي من بين الحرّيات المكفولة عرفا وعقلا ودينا.. لكنّنا، وللأسف، غالبا ما نحكم على الأشياء والأشخاص بثنائيّة غريبة تجعل من عالمنا إمّا أبيضا وإمّا أسودا.. لا مكان فيه للتدرّجات الرّمادية، ناهيك عن الألوان الأخرى!؟..
وينسحب حكمنا على كلّ شيء انطلاقا من أحكام سابقة أخرى، فأنا لا أحبّ زيدا، فهو أسود! وزيد يحبّ المعكرونة والرّياضة والأفلام العنيفة، فالمعكرونة والرّياضة والأفلام العنيفة سوداء أيضا.. وإذا رأيته يوما مع عمرو فعمرو أسود أيضا.. وإذا نما إلى علمي أن زيدا يشجع المولوديّة فالمولوديّة سوداء أيضا؟!.. وهكذا نجد أنفسنا في عالم أسود به بعض البقع البيضاء التي لا اتّصال بينها وبين السّواد الذي نعرفه..
الأشياء والأشخاص في دنيانا مزيج من الشّر والخير، والصّلاح والفساد، والحبّ والكره، يطغى جانب على جانب، ويظهر جانب دون جانب أحيانا.. لكنّ الحكم المطلق حكم جائر في كلّ الأحوال.. ومردّه إلى الله وحده.. أما نحن، فقد نحبّ خلقا ونكره آخر في نفس الشّخص، ونحبّ خصلة ونكره أخرى في نفس الشّيء، ومتى أقصينا الكلّ، خسرنا الكثير بخسارة صلاحه وخيره ولو كان قليلا..
أمّا انسحاب الأحكام على أشياء أخرى بالعلاقة والتّعدّي فهو الجهل والسفه بعينه.. ولا مجال للتعليق عليه..
إذا تعلّمنا كيف نأخذ الصّلاح ونترك الفساد من نفس السّلّة، فستظهر الألوان بالتدريج في حياتنا لنكتشف بمرور الوقت أنّنا قد شفينا ممّا سنسمّيه فيما بعد.. عمى الألوان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق