التغيير.. لماذا؟

التغيير عملية تتنافى والطبيعة البشرية. فالإنسان بطبعه الخامل الكسول الجزوع يميل إلى تكرار يومه وتقليد الآخر والسير على خطى من سبقوه لما في ذلك من فوائد جمة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
  • الابتعاد عن النقد والتقريع واللوم، فيكفينا عند الخطأ أن نلقي اللوم على من سَبَقَنَا أو من قَلَّدْنا فهم المسؤولون لا نحن!
  • الراحة والسكينة وتجنب التفكير والإبداع وإهدار الوقت لدراسة الطرق الجديدة ووضع الخطط!
  • ربح المال والوقت بالسير في الطرق المعروفة بدلا من المخاطرة بدروب نجهلها ونجهل غاياتها...

هذه هي إيجابيات التكرار والتقليد، فلماذا نتغير؟ وإذا كانت هذه إرادة العقل الباطن والأنا الفردي والجمعي، فلماذا نعاكس سير الطبيعة؟
والحقيقة تكمن في هذا كله.. فالتغيير من أجل التغيير محكوم عليه بالفشل، والتغيير من أجل الغير مآله التهريج والفشل أيضا! التغيير الحقيقي الذي يُبَدِّل الوضع ويقلب الميزان هو التغيير الذي يحترم طبيعة النفس والمجتمع.. إنه التغيير الذي ينبع من الباطن والصميم، بيقين أن الوضع الآتي خير من الوضع الراهن! إنه التغيير الذي تقهر دوافعُهُ المثبطات وتتجاوز رواسبَ الركود والتقليد والتكرار بالفعل والقوة، وتفرض نفسها كضرورة بقاء للنفس أو المجتمع.
فعندما نقتنع بالعقل والقلب أن الوضع الراهن هو المضيعة للوقت والجهد، وهو المآل إلى الموت الحقيقي أو المعنوي، وهو الطريق إلى الخسران، عندما نتيقن من ذلك بِلُبِّنُا وقالبنا، عندها نبدأ في التفكير الجدي في التغيير والسعي لذلك.. فلابد قبل الشروع في تشييد البناء من هدم الأطلال والأعمدة الهشة فأي بناء فوقها مصيره الهدم..
ألم ترَ السائر في طريق، يبحث عن غيره إذا قطع عليه لص مسلح أو كلب مسعور أوسيل عرمرم؟ لأن الخطر في عينه ماثل حاضر عاجل! فإذا واصل السير في طريقه فهو إما متهور مجنون لا يعتد به وبرأيه، أو أعمى على عينيه غشاوة فهو في غفلة يوشك أن يهلك.
فإذا أراد الفرد أو الجماعة التغيير، وجب إزالة الغشاوة وتمثل الخطر حضورا عاجلا، وإلا كان التغيير عبثا لا دافع له، وكان الركود والتكاسل عنه أقوى من الدعوى إليه.

عندما تكون التكنولوجيا أكبر نقمة

حادث مرور مروع يخلف خمسة قتلى وعشرة جرحى.. إنفجار قارورة غاز.. مصائب نعزي أصحابها ونسأل الله لهم الصبر والثواب!.. كلب هائج يهاجم الصبيان والشبان.. إنفلات في حفلة راقصة.. حريق بعمارة أو فندق أو مركب.. كلها حوادث وقعت في الماضي، وتتكرر في الحاضر والمستقبل.. ولكن.. لماذا يحرص البعض على تصوير أدق تفاصيلها لينقلها للعالمين على المواقع والشبكات؟ لماذا صار أول رد فعل لدينا عند اتفاقنا مع هذه الحوادث والمصائب والوقائع هو تشغيل كاميرات هواتفنا وفتح الشبكات للنقل المباشر؟ هل صار التصوير أول خطوات الإسعاف والمساعدة والتكفل بالمصابين والمذهولين؟
لماذا نصر على تصوير الجرحى والهاربين وفيهم عورات النساء وانكسارات الرجال وارتجافات الأطفال التي قد تَصِمُهُم طول حياتهم، وتُرسِّخُ لهم صورا لا يقبلونها ولا يرضونها؟ لماذا صارت نرجسيتنا وحبنا للسَّبقِ طاغيا حتى على احترامنا للآخر وكرامته وعرضه وشرفه؟
لقد أصبحت التكنولوجيا أكبر نقمة في أيدينا نحن المتخلفون فلم نرعَ لها حرمة أو مكانة.. والجميل الأجمل.. أننا بعد أن نكشف عورات الناس وأعراضهم، نهرع إلى المسجد بعد أن ينطق هاتفنا بالأذان، فنحن مؤمنون! نُحَمِّل الهاتف بالأذان والقرآن والمواعظ؟!
 نتصدر المجالس بين الناس باللسان والتذكير.. ونهتك أستارهم بالهواتف والتصوير!