الإسلامي وغير الإسلامي

قد يكون ما أقوله الآن محرجا ودقيقا، وقد يعتبره البعض تهجما لائكيا وتعد صريح على قيم إسلامية وإيمانية لا تقبل النقاش. لكني سأبوح به رغم ذلك لأني أراه حقيقة نرفض نحن أنصار الشريعة والإسلام والحق أن نراها رغم أنها أصبحت ساطعة ناصعة. هذه الحقيقة هي أننا بإضافة مصطلح "الإسلامي" إلى نشاطاتنا وأعمالنا وأفكارنا قد حطمنا الإسلام ونسفنا مفهوم الدعوة من الصميم. فمصطلحات "البنوك الإسلامية" و"الزفاف الإسلامي" و"الحزب الإسلامي" و"الفكر الإسلامي" و"الاقتصاد الإسلامي" و"النشيد الإسلامي" ولدت من بين ما ولدت ظاهرتين:
1. خلقت قوقعتين في المجتمعات، أو تيارين "إسلامي" و"غير إسلامي" متمايزين ومتنافرين وبعيدين كل البعد عن اي تواصل فكري أو حوار من باب "كل حزب بما لديهم فرحون"، فانتقل مفهوم الدعوة من إصلاح المجتمع وجره إلى القيم الأصيلة للإسلام، إلى معركة حول تحويل فرد من هذا التيار إلى التيار الآخر أو العكس. وتحولت جهود الإصلاح من محاولة لرد الناس إلى الممارسات السليمة والرقي بالمجتمع إلى درجات الكمال، إلى محاولة إثبات للذات، وفرض لأيقونات وشعارات هي بالأساس فهم محدود وتعصب للرموز والأسماء.
2. كما أنها احتجزت الإسلام ضمن فهم معين لطائفة معينة فقولبته في قالب خاص، إما أن تقبله كما هو، وإما أن تعتبر غير إسلامي، أو تتهم بكونك علمانيا أو ملحدا. فصار الإصلاح في المجتمع –الذي هو واجب من واجبات الإسلام- هو الإسلام كله، فصار بذلك الإسلام حزبا وتيارا في المجتمع، عوض أن يكون دينا للمجتمع. وتحول بذلك نفور الناس من الإصلاح إلى كراهية للإسلام وتمرد عليه. ولسنا نعجب بعذ ذلك أن جهود الإصلاح لا تأتي بما هو مرجو، بل بنتائج أكثر سلبية ومأساوية. إن الساعي إلى الإصلاح لا بد أن يتنصل من الدفاع عن المصطلحات، وإثبات الحق لفلان أو علان. ولا بد أن يسعى إلى إحقاق الحق ونشر الفضيلة، والناس بعدها سيتوجهون طوعا إلى التسمية الصحيحة والمعنى الحق.

الدالة في الجزائر.. أقوى من الفايس بوك

ابتليت بزيارة مستشفى بالعاصمة اليوم. وكم كانت دهشتي لا توصف عندما غادرتها واسترجعت شريط الذكريات....
لقد وصلت المستشفى أول الأولين وهو قرية خاوية على عروشها، وتجولت في كل مصالحه الاستشفائية والطبية وشبه الطبية قبل أن أصل إلى المصلحة التي أريدها –وليس ذلك بغرض التجول طبعا، وإنما لأن الموظفين للأسف يتظاهرون بأنهم لا يعرفون المستشفى جيدا فيرسلونني بنظام محكم إلى موقع بعد الآخر- لأجد نفسي في الأخير قد تعرفت إلى كل العاملين المرغوب فيهم وغير المرغوبين.
وعند وصولي إلى ما أريد، وجدت قاعة الانتظار قد امتلأت عن آخرها، لأكون آخر الآخرين.. ثم تحولت بقدرة القادر عز وجل إلى أول الأولين مرة أخرى دون أن أفهم شيئا! ثم وبقدرة القادر دوما وأبدا وجدت نفسي -مع أنني أول الأولين- آخر من يدخل إلى الفحص عند الطبيب؟!
وبين الانتظار والدخول مررت والجمع الكريم بمراحل "المداصرة" النفسية كلها: الفحص المرئي، الفعل المرائي، الاشمئزاز، التعليق، ثم الكشف التام.
فأول القصيدة نظرات من الجميع إلى الجميع تتفحص الملابس والقوام والأحذية والساعات والخواتم والشعور وكل ما تصل إليه العين.. ثم يتبرع البعض ببعض الأفعال أو الأقوال من قبيل مهاتفة شخص لأتفه الأسباب، أو سؤال شخص ما عن موضوع لا علاقة له لا بالسائل ولا بالمسؤول، أو قرع للباب أو الكرسي، أو ما شايه ذلك.. عندها يعلق البعض الآخر على هذه الأفعال وغيرها من قبيل تأخر الطبيب، أو تأخر الدواء، أو تأخر الشفاء، أو التأخر العقلي.. لينطلق الجميع بعد ذلك في محادثات تكشف أسر الأسرار..
عندها أدركت، وبعد لملمة خيوط القضية أنني تعرفت على عمال المشفى، والمرضى والأطباء في أقل من نصف يوم بطريقة لا يمكن أن تكون عفوية أبدا.. وأدركت حينها أن "الدالة" أو "الانتظار" عندنا أقوى ألف مرة من الفايس بوك، وأنها قد تخطت شبكات التواصل الاجتماعي بمراحل ومراحل.. فمن قال أن التواصل الجتماعي مفقود في بلدنا؟

في ذكرى عيد المرأة

يحق للمرأة أن يكون لها عيد! ومن الظلم مصادرة هذا الحق بدعوى الشرع والعرف والأخلاق. فجعل يوم من أيام العام لتذكر المرأة ومراجعة موقف المجتمع والشرع والقانون منها شيء حسن يقبله العقل، ولا أظن مشايخنا أهل العلم يعترضون عليه أيضا؟
إنما المشكل –في نظري- يكمن في ما وراء وما قبل وما بين سطور هذا العيد!
وأول القصيدة جعل عيد المرأة اليوم الوحيد من العام الذي نتذكر فيه أن للمرأة الحق في أن تعمل لا كالرجل بل أقل منه. وهذا وإن كان إقرارا ضمنيا من الرجل والمرأة بأن للمرأة التزامات بيتية وأسرية تمنعها من العمل بدوام كامل، فلم يحدث أن طالبت به أنثى؟ لأنها إن طالبت به اعتبر ذلك انتقاصا لمكانة المرأة واعترافا منها أنها أضعف من الرجل!
إن مطالبة المرأة بالمساواة الحسابية المطلقة مع الرجل مرض ابتليت به الإنسانية من أناس هم أشد عداوة للمرأة! وأشد من ذلك في مجتمعاتنا، نجد المرأة ساكتة عن حقوق هي لها بنص العقل والشرع والعرف! وتدعي النضال في مطالب ما أنزل الله بها من سلطان. فالمرأة تسكت عن غلق المساجد في وجهها –اللهم إلا في بعض الجمع أو الأعياد ببعض المساجد- وقد كانت تصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده؟ ونجدها تتغاضى عن حقها في نظرة متكاملة لوضعها في المجتمع بحيث يؤخذ قيامها ببيتها، ورعايتها لولدها مأخذ العمل خارج البيت على أنه عمل وشغل وضرورة للمجتمع لا مجرد حياة خاصة ينبغي عليها الاختيار بينها وبين الحياة المهنية؟ وفي مقابل ذلك تطالب المرأة بحرية التعري والجنس مستأسدة في ذلك باتفاقيات حقوق الانسان والحيوان، وتنسى أن الحصول على ذلك لا يستدعي يوما ولا احتفالا ولا مطالبة، بل مجرد نقص في العقل والدين والأخلاق! كما نجد المرأة تطالب بالمساواة في الميراث وتنسى أن الميراث شرع الله الذي جعل النفقة لها واجبة من الحياة إلى الممات وهي حق لها لأنها تحمل وتضع (تلد) وتنفس (من النفاس) وترضع، وتسهر وتربي وقسم لها فوق ذلك ذمة مالية خاصة! ؛ أما المساواة في الميراث فهي قسمة العبد (أو الشيطان) الذي فرض عليها العمل ولو بامتهان شرفها لكي تأكل وتشرب، ورفع عنها الكفالة بمجرد بلوغها سن البيع والشراء، وقسم لها فوق ذلك الحق لزوجها لكي يتخذ من دونها خليلات وخلانا..