تقريب الإدارة من المواطن

الإدارة وملحقاتها
في هذا الأسبوع، كنت شاهدا على حادثتين هما أنصع دليل وأقوى حجة على قرب الإدارة من المواطن:
الحادثة الأولى عندما توجهت إلى المستشفى لاستخراج شهادة طبية، لأتفاجأ بالطبيب يطلب مني أن أشتري الإستمارة الخاصة بهذه الشهادة من الكشك المقابل للمستشفى! وقد حدد لي الطبيب سعر هذه الإستمارة حتى لا يُدَرِّحَني البائع.. وعند وقوفي أمام الكشك فوجئت به يعرض كل أنواع الاستمارات والتقارير الطبية الخاصة بالمستشفى..
والحادثة الثانية عند توجهي للدائرة لتقديم ملف جواز السفر، فأخذت الموظفة تقص عليَّ مكونات الملف، لتختمها بالإستمارة التي أخبرتني أنه  يتوجب علي شراؤها من مقهى الأنترنيت المقابل.. 
والحقيقة أن الإدارة عندنا قد تطورت وتكورت وتدحرجت، وعامت وفاضت لتَتَفَركَت خارج جدرانها وتقترب من المواطن لكي يتمكن من الحصول على خدماتها في الأكشاك ومقاهي الأنترنيت.. التي أصبحت ملحقات إدارية في زمن العولمة.

الأستاذ البروفيسور

الأستاذ
في جامعاتنا أساتذة.. يحملون لقب أستاذ! وإياك أن تناديهم بدون لقب الأستاذ الدكتور..!
الأستاذ شعلة من نور يضيئ المجتمع، يقود الأمة، قدوة للطالب داخل الجامعة، وأسوة للمجتمع خارج الجامعة.. يشع نورا وعلما وخلقا..
أعرف أستاذا في الطب يرقص مع الطلبة والطالبات ويعطيهم النقاط على قدر هَزِّهِم ورهزهم..
وأعرف أستاذا في العلوم قدم في رسالته لنيل الدكتوراه بحثا مسروقا من أحد زملائه في نفس القسم، وعندما رُفِضت رسالته، سرق بحثا آخر وحصل على الشهادة ثم ارتقى من سرقة لأخرى حتى صار أستاذا بروفيسيرا..
وأعرف أستاذا آخر أقسم بمجرد حصوله على الدكتوراه ألا يسمح لأحد غيره بالمرور بعده.. 
هم أساتذة يقدرون العلم ويعرفون كيف يُقَيّمونه..
هم أساتذة أجهدوا أنفسهم في طلب العلم حتى ارتقوا منازل العلماء..
هم أساتذة أقسموا على نقل معارفهم وعلومهم لطلابهم ومن بعدهم..
اعتذر كل العذر من الأساتذة الذين هم بحق أهل علم وقدوة وأسوة، وهم كثر.. لكننا لا نسمع لهم همسا؟!

الصبر

وبشر الصابرين
من المقارنات التي أرفضها، لكنني أجد نفسي مجبرا على قبولها، مقارنة جيلنا الحالي بجيل والدي في مجال الصبر..
لقد خاض والدي ووالدتي، ومن قبلهم أجدادي وجداتي معارك من أجل البقاء، بدءا من أعباء الحياة اليومية للبذر والحرث والدرس ورعاية الأبقار والأغنام وطهي الطعام، ناهيك عن مكابدة عناء الاستدمار وما جره عليهم من ظلم وجور وفقر وحرمان.. ثم بعد ذلك رحلتهم لكسب لقمة العيش والبحث عن سقف يؤويهم.. يعملون ليل نهار، يمضون جل يومهم في طوابير لا نهاية لها، ولا يعرفون للعطلة والراحة معنى أو يوما، وهم مع ذلك لم يتخلفوا يوما عن إجابة دعوة أو مواساة في حزن حتى مع من أساء إليهم.. وهم مع ذلك كثيروا الأولاد وكل أولادهم قد أتم تعليمه وأسس عالمه وعائلته..
وهم مع كل هذا وذاك بشوشين راضين مستسلمين لقضائهم الذي أمن لهم الدنيا بحذافيرها في نظرهم..
ونحن اليوم.. نحن اليوم وقد وصل بنا العلم إلى رفاهية وتقدم لم تعرفه البشرية من قبل، وصارت السيارات كلعب الأطفال، بل وصرنا نأكل من الأطعمة ما لم نكن نسمع به إلا في الحكايات والأساطير..
نحن اليوم كدنا لا نعرف للصبر معنى..
لا نطيق الوقوف لثوان أمام إشارة مرور قبل أن نشرع في التجاوز يمينا ويسارا ومن بين أرجلنا.. لا نطيق الوقوف لدقائق أمام شباك أو صندوق، حتى نشرع في البحث عن من يقضي لنا حوائجنا من تحت الطاولة.. لا نطيق البقاء على الكرسي لأداء عملنا الذي نتقاضى عليه راتبا لساعة من الزمن، حتى نختلق الأعذار للهرب ونترك مصالح الآخرين معطلة وعاطلة.. لا نطيق الصبر على أزواجنا وأبناءنا وإخوتنا، حتى نقطع أواصرنا لأتفه الأسباب، وبدون أسباب أحيانا..
إن مجتمعا لا يعرف الصبر هو مجتمع لا يعرف كيف يبني، ولكنه يعرف كيف يهدم..
إذا أردنا تغير أحوالنا فعلينا بتعلم الصبر، وتعليمه لأبناءنا.. أو على الأقل.. محاولة فعل ذلك!

المقارنات

أصبحت أتحسس كثيرا من المقارنات. فكل من ألقاه وهو غير راض عن وضع من الأوضاع أو سلوك من السلوكات، وإن كان الوضع خاطئا والسلوك مشيا، يقارننا بالدول الأخرى، أو بأزمان اخرى، أو بأماكن أخرى..
مقارنة الماضي بالحاضر مجرد هروب من الواقع للخيال
والحق أن السوء والمنكر بعض أخلاق الإنسان منذ خلقه الله وأنزله منازلنا، يظهر في البعض وينكره قوم آخرون.. يتمكن من العموم في زمن من الأزمان، وفي مكان من الأمكنة، فيصبح الغالب والمألوف، وهذا هو حال أغلب أوقات وأماكن الدنيا.. كما يقل في زمن من الأزمان، ومكان من الأمكنة كما هو حال مجتمع الصحابة، وحال أصحاب بعض النبيئين، وهو حال نادر الوقوع في تاريخ البشرية..
فحال البشرية دفاع مستمر ودائم إلى يوم القيامة بين أهل السوء وأهل الصلاح، وما كثر أهل السوء إلا لقلة أهل الصلاح أو لتوانيهم عن الإصلاح.. فصلاح الأمة ليس حقا لها مكتسبا بالاتكال والهبة المجانية من القدر، بل هو جائزة لها ونتيجة عمل دؤوب وحرص شديد على دوام هذا الصلاح بعد تحصيله..
ومن سابع المستحيلات أن نُحَصِّلَ الصلاح بالمقارنات وذكر الأقوام الأُخر والأزمنة البالية، لأن لكل زمان ومكان صلاح ظاهر وفساد باطن يقابله، وما صلاحه الظاهر إلا لتراكم جهود العلماء والعاملين وأصحاب الهمم، الذين سعوا لصلاح زمنهم ومكانهم دون الالتفات لغيرهم..
كما أن صلاح أقوام قد لا يصلح لأقوام أُخر، لأن رسالة هؤلاء غير رسالة أولئك، ورصيد هؤلاء غير رصيد أولئك، فإسقاط الأحكام جزافا بينهم ضرب من الهروب للأمام من واقع عجزنا عن فهمه، وإدراكه، فما بالك بتغييره!

فلنبني مسجدا.. ليوم العلم..

الأولى من بناء الجدران.. بناء من يعمرها.. وفي كل خير
ما أجمل أن نبني مسجدا كبيرا، وما أجمل أن يكون هذا المسجد ذو زخرفة وفسيفساء وحدائق ونوافير ومياه..
بلغني أن هناك مسجدا بهذه المواصفات في مدينتنا، وهناك آخر يتم بناؤه أيضا في مدينة أخرى.. ويحكى أن في مسجدنا قاعات للدرس والتعليم ومكتبة..
سمعت اليوم أن المسجد قد افتتح؟ افتتاح وجهت له دعوات.. هي دعوات رسمية للصلاة!؟
وسمعت أيضا أن جموعا قد حجت لهذا المسجد من ولايات مجاورة، قد نصبت لهم خيام خارج المسجد لأكل الكسكس وارتشاف الشاي..
سمعت أيضا أن الداخلين قد تم تفتيشهم، ليتم بعد ذلك تصويرهم وهم يهرعون للصلاة..
وإمام المسجد الجديد من أعيان الأئمة، دعا لنا ولمدينتنا، ودعا المصلين للخروج في هدوء!؟ وهل يخرج المصلي من صلاته في غير هدوء؟
يثرثرون كثيرا عن هذا المسجد، المسجد الذي هو قاعة للصلاة، وبنيان لتزويق المدينة، وقطب سياحي؟!
لقد فتح المسلمون الأوائل عقول البشرية وقلوبها بقطعة أرض، بها حصير، ولها أعمدة من جذوع النخل، وعليها جريد.. بما كنت أعتقد أنه مسجد جامع..
عذرا عن هذه الترهات، فقد أفسدت عليكم يوم العلم.. الذي نحتفل في بوفاة العالم العامل؟!
كل عيد والجهل بخير.

أطباء إسبان؟

ورد إلى مسامعي أن في بلدنا الحبيب أطباء من الصين وكوبا والبرتغال.. لكني لم أصدق ذلك يوما! فآلاف الأطباء من بني جلدتنا يعملون في فرنسا وكندا وأمريكا، بل وسمعت أن بعضهم يعمل في ماليزيا.. فكيف أصدق أننا بحاجة للأطباء ونحن نُصَدِّرُهم!؟
لكني اليوم، ولدى توجهي إلى المستشفى لتصوير الغدة الدرقية لإحدى قريباتي، وفي أكبر مستشفى في أكبر مدينة من مدن الشمال، وجدت أطباءا يُبَرْطِمُون بالأسبانية، تبين لي لاحقا أنهم أجانب يتقاضون راتبهم ويحولونه بالأورو ليرسلوه للخارج.
ومِمَّا أدهشني أن الأطباء المختصين في هذا التصوير يتخرجون كل عام من جامعاتنا، ويُحَوَّلُونَ وُيرْسَلُونَ إلى الجنوب لأن الشمال قد اكتفى من الأطباء، والحاجة هي فقط في الهضاب والجنوب؟ مع العلم أن الهضاب والجنوب لا يوجد بهم الآلات الخاصة بهذا التصوير!؟
فهل نحمد الله على الأطباء الإسبان الذين يقومون على علاجنا فيما ندفع بأطبائنا للصحراء، ومن ثم إلى فرنسا وأسبانيا؟
وفي الأخير.. إن هو إلا تبادل للخبرات.. وحوار للحضارات لا أكثر ولا أقل.. أطباؤنا للأسبان، وأطبائهم لنا.. ومرضانا للموت والحمد لله.