عام جديد 2018

عندما نبلغ مرحلة عمرية معينة، تتشابه لدينا الأيام والسنون، ويصبح رأس السنة وذيلها سواء.. وتصير رؤوس السنين كلها كبعضها، نفس الرسائل والتمنيات من نفس الأشخاص بنفس التعليقات ونفس الردود.. قد يكون مَرَدُّ ذلك إلى تعوّد النفس على الجديد والقديم فلا القديم صار مفاجئا ولا القديم قابلا للتكرار.. فقط القديم صار مدعاة للحنين والشجن..
تتوالى ملخصات الرياضة والسياسة والفن على القنوات.. فقدنا أناسا وتعرفنا على آخرين.. تحطمت أحلام وابتكرنا أُخَر.. وبقي من رأس السنة اليوم المدفوع الأجر الذي لا نستيقظ فيه باكرا.. وللعاطلين أصلا.. لا فرق؟!
صارت الأعوام عندنا عبث وتكرار.. نُعِدُّ الحصيلة ولا يقرؤها أحد، نستعدّ للعام المقبل وهو المستقبل بتذكر العام الفارط وهو الماضي.. نهنئ أنفسنا على عام لا ندري أكان مزيدا لنا في الخير أم نقصانا.. صار رأس السنة تَجَمُّعاً لنا في مسيرة الزمن ننتشي فيه بعمر ينقص ونضحك من أنفسنا ثم يمضي كل منا إلى حال سبيله..
كل عام وأنتم بخير.. 

الدعاء..

حدثنا أحد شيوخنا عليه من الله البركات والدعوات الصالحات أن أفضل الدعاء ما كان بنية خالصة وظن صالح بالله مهما كانت صيغته ومهما كانت لغته.. ولقد أخبرنا الصادق الذي لاينطق عن الهوى أن من الدّعاء الذي يجمع خيريّ الدنيا والآخرة طلب العفو والمعافاة في الدنيا والآخرة.. وأن أفضل الفضل من الله على عبده أن يغفر له..
ويتبارى إلى ذهني تهافت الناس على تحميل أدعية كرنَّات ونغمات، وطلب أدعية الشّيخ فلان والشّيخ علان.. وحبذا لو كان الدعاء مع خلفية صوتية وصدى ومُخَشِّعات أخرى كصوت الخرير أو الصرير.. ويا حبذا لو كان في رمضان، أين نطلب المساجد التي يُحسن أئمّتها الدّعاء! وإحسانهم طبعا هو البكاء والنواح ولو كنا لا نفهم من دعائهم شيئا أهو خير أم شرّ..!
وبلغت وقاحتنا على الدعاء الذي هو مخّ العبادة وصلة العبد بربه بلا واسطة أن صار دعاؤنا بالمغفرة والعافية لا يكفينا، وصرنا نستصغره ونستهين به وهو صلاحنا إن كان صادقا بعيدا عن أعين الناس.. وصرنا نطلب مجالس الدّعاء بصيغ جميلة بعيدة ولوكانت بمعان غير سويّة لكنّها بصوت شجيّ وصدى رنّان.. وكأنّ الله لا يسمع الدّعاء إلا من هؤلاء.. مع ما فيه من الرّياء والسمعة وهي ممحقة للأجر والإجابة..
كل عام وأنتم بخير.

عن مدينة بوسعادة.. ناصر الدين ديني

لا يمكنك زيارة مدينة بوسعادة أو الحديث عنها دون ذكر الرسام الفذ الذي أقام فيها وترك باريس إليها.. فهو الشاهد على أن هذه الواحة المتواضعة على باب الصحراء الجزائرية قد أغرت بجمالها رساما وُلد وعاش في عاصمة الفن باريس صاحبة المتاحف واللوحات النادرة.. لكنه فضل عنها واحة أقام فيها وأوصى أن يدفن فيها وقد دفن فيها، بعد أن اعتنق لغتها ودينها وجمالها..
إنه ناصر الدين ديني، وإن كنا ممن يتفقون مع مذهبه في الفن أو نختلف، وإن كنا ممن يوافقون على رسوماته أو نختلف.. فإننا ولا شك، نقر بأنه علم من أعلام الجزائر وإن لم يولد فيها.. لكنه عانق لغتها ودينها وأحب أرضها وأوصى أن يدفن فيها بعد أن عاش بين أهلها معبرا عنهم لا مغتصبا لأرضهم أو محتقرا لثقافتهم.. بل ساهم في نشر ثقافتهم وتخليد حياتهم برسوماته ولوحاته خاصة ما كان منها بعد إسلامه..
لقد ارتبط ناصر الدين ديني بالمنطقة وأعيانها، وله إلى اليوم لوحة رسمها للشيخ محمد بن أبي القاسم الحسني مؤسس الزاوية الشهيرة في ضاحية بوسعادة.. وله لوحات تقَصَّت كل مناحي الحياة الجزائرية من صلاة وتحر للهلال وغسل ولهو ورواح للكُتَّاب ورعي..
بيته الذي تحول إلى متحف لا زال يحتفظ برونق وسكينة خاصة تنقلك للقرن التاسع عشر حيث بوسعادة واحة هادئة خلابة، والناس بين فنان ومحب للفن وطالب علم ومحب لطالب العلم ومجاهد وداعم للجهاد..

الدورات التدريبية..(1)

مع دخول البرمجة اللغوية العصبية وعلوم الإدارة والتدريب والإلقاء والمهارات والتنمية البشرية إلى عالمنا العربي، تحولت مجتمعاتنا إلى ساحة لكل أنواع بيع الهواء والهراء باسم التكوين والتدريب وتعلم اللغات في أسبوع وحفظ القرآن في يومين ومراجعة الدروس في ساعتين وكل ما يسيل لعاب الكسالى ويُخرج أموالهم..
لقد تخلى شبابنا عن الدراسة الحقيقية وطلب العلم الحقيقي مع كل ما يقتضيه من الجد والسهر وتنقيح المعلومات وطلب الصحيح من أهل الاختصاص ونقد المراجع وتحقيق النصوص.. تخلوا عن ذلك كله وتوجهوا للجهلاء يلخصون المعارف والعلوم في قصاصات وإشهارات حمالة أوجه بدعوى أنها أوجزت كل العلم وأحاطت به من كل وجوهه..
تخلوا عن العلم الصحيح والتكوين الشاق الذي يصنع الخبرة وينتج الممارسة السليمة القويمة واتجهوا نحو أشباه المعلمين الذين يعطونهم أشباه قواعد تخطئ وتصيب فأنتجوا ممارسة شَعوَذِية قوامها اللسان الخادع واللعب بالألفاظ لبيع الريح..
فصرنا نرى من تكوَّن يومين في ناد جمعوي يتصدر مجالس الإرشاد والتربية والتعليم لينصح أبناءنا، في حين نرى أساتذة كبارا أفنوا حياتهم في التعليم عطاءا وبذلا يُستهزأ بهم ولا حظّ لهم من العرفان إلا دنانير التقاعد العجاف..
وصار من تلقى دورة في أسماء الأعشاب والتوابل يتصدى لعلاج الأمراض والطبيب الخبير مُتهما بالجشع وجمع المال مع أننا نعطي العشاب أضعاف ما نعطي للطبيب..
كل عام وأنتم بخير.

عن مدينة بوسعادة (1)

سمعت كثيرا عن مدينة بوسعادة وكيف أنها بوابة الصحراء وأقرب الواحات إلى الساحل، وكيف أنها مدينة السعادة والراحة.. فقادني إليها القدر الأسبوع الماضي وزرتها ليومين لأتعرف عليها وعلى معالمها..
والحقيقة أنني شعرت بسحر ينبعث من الطبيعة مع اقترابي من بوسعادة عبر الأراضي السهبية مخترقا المناخ القاري المعانق للأطلس الصحراوي راسما لوحات طبيعية لم أعرفها ولم أتذوق حلاوتها قبل ذلك اليوم..
ومع حلولي على المدينة اكتشفت كيف نال منها ومن واديها العمران بطريقة بشعة غير مدروسة جعلها كباقي مدن الوطن هجينا بين أنماط مختلفة من العمران فلا هي حافظت على أصالتها ولا هي في حلة حديثة كاملة، فضُيِّعت الواحة ولم تُقم المدينة..
ورأيت فيها شبابا في عمر العطاء والإنتاج مقامهم المقاهي، ولياليهم السمر قليل منهم العامل أو الطالب أو الشغال كحال باقي مدن الوطن..
ورغم هذا وذاك، لازال في المدينة معالم للجمال تستحق أن يعرفها العالم، وأعلاما يشهدون للمدينة بأنها باب السعادة وبوابة جنة الأرض.. عاشوا فيها ودفنوا فيها..

تمثال عين الفوارة

سمعت أن مختلا قام بتشويه تمثال عين الفوارة في مدينة سطيف! منتهكا بذلك أعراف البشر باحترام الثقافة والفنون والتراث والحضارة والتاريخ..
ولقد تمكن المختل من بعض أطراف التمثال فنال من قدسيته وووقاره.. وقار كانت تصنعه عورة مكشوفة وعري مخزي مكشوف أمام الكبير والصغير والرجال والنساء!!
وعجبت كيف تم صرف ميزانية لترميم قدسية العورة ووقار العري في لحظات وربما قد تم الترميم قبل كتابة هذه السطور..
هذه الميزانية تتثاقل وتترهل آلياتها عندما يكون الموضوع إصلاح التدفئة في المدارس والجامعات، أو صرف مخلفات رواتب العمال والأجراء، أو سد حفر في الطرقات أو رفع النفايات والقاذورات.. عندها تصبح الإجراءات القانونية صعبة وطويلة ومعقدة.. ويتدخل الآمر بالصرف، ثم المراقب المالي، ثم المحاسب، ثم تتدخل حسابات البنود والميزانية حتى تفقد المشكلة ضرورتها وتصبح لاحدث..
أما لكشف عورة التمثال ورد الاعتبار لعريه.. فالأمر هنا يختلف!
عام سعيد وكل عام ونحن بخير..

القدس، الجرح المتجدد

ثارت ثائرتنا لأن أحدهم نقل سفارة بلاده من يافا إلى القدس، سفارة أقامها أسلافه لأنهم اعترفوا قبل عشرات السنين بكيان قائم بالقوة على أرض فلسطين من النهر إلى البحر. وهجنا وهاجت جوارحنا لأن بلادا كبيرة اعترفت لهذا الكيان بالقدس عاصمة له!
وبعد أيام من هذا الهيجان والثوران بدأت النفوس تهدأ ورجعنا إلى سباتنا ونومنا الذي أزعجه هذا التافه الذي لا يعرف قدرنا ولا زال لم يختبر صولاتنا وجولاتنا، ولا يعلم ما نقدر عليه إذا ما هجنا وثرنا!!!
لقد بلغ التهريج بنا مبلغ الوقاحة والدناءة والنذالة، وصار كذبنا على أنفسنا يستوجب البكاء دما لا دموعا..
أوليست هذه القدس التي احتلت عام 1418 (1917م) ومن يومها وهي في كنف الأعداء يحكمون رجالها ونساءها وصبيانها ويأذنون لمآذننا بالأذان أو يمنعونه متى شاؤوا؟
أوليست هذه القدس التي تكاد تُهدم جوامعها بالحفريات والتنقيبات والتفريعات ونعلم علم اليقين أن الخطوة التالية هي بناء هيكل مزعوم مكان تلك الجوامع؟
أوليست هذه القدس التي تُفتَّشُ حرائرها وتُنتهك  أعراضها على يد الأنجاس وتُداس بيوتها وتسجن فتياتها أو تُقتل على الأرصفة وفي الساحات؟
أوليست هذه القدس التي يجوع أهلها ويُحاصر مريضها ويُجهز على أسيرها؟
كيف نزعم أننا نحبها ونحن نثور لأن سفيرا غير بيته من يافا إلى القدس وقد كان دائما يدخل إليها ويخرج منها بدون إذن أو جواز كما يُطلب من أصحاب الأرض.. وكأن قضيتنا قد تعدت الأسيرات والسجينات والأرض والمسجد إلى مكتب السفير أين يكون؟؟
هذا السفير الذي تعلن بلده أنها مع الكيان الغاصب صراحة لا تلميحا.. وتموله وتنصره وتدافع عنه..
لكن كرامتنا التي تقبل منه كل هذا، وترضى للقدس بكل ذلك.. تأبى أن يكون مكتبه في القدس؟؟
فلنعد إلى نومنا فقد ملأنا الدنيا صراخا وشبعنا من العالم ضحكا واستهزاءا.