المقارنات

أصبحت أتحسس كثيرا من المقارنات. فكل من ألقاه وهو غير راض عن وضع من الأوضاع أو سلوك من السلوكات، وإن كان الوضع خاطئا والسلوك مشيا، يقارننا بالدول الأخرى، أو بأزمان اخرى، أو بأماكن أخرى..
مقارنة الماضي بالحاضر مجرد هروب من الواقع للخيال
والحق أن السوء والمنكر بعض أخلاق الإنسان منذ خلقه الله وأنزله منازلنا، يظهر في البعض وينكره قوم آخرون.. يتمكن من العموم في زمن من الأزمان، وفي مكان من الأمكنة، فيصبح الغالب والمألوف، وهذا هو حال أغلب أوقات وأماكن الدنيا.. كما يقل في زمن من الأزمان، ومكان من الأمكنة كما هو حال مجتمع الصحابة، وحال أصحاب بعض النبيئين، وهو حال نادر الوقوع في تاريخ البشرية..
فحال البشرية دفاع مستمر ودائم إلى يوم القيامة بين أهل السوء وأهل الصلاح، وما كثر أهل السوء إلا لقلة أهل الصلاح أو لتوانيهم عن الإصلاح.. فصلاح الأمة ليس حقا لها مكتسبا بالاتكال والهبة المجانية من القدر، بل هو جائزة لها ونتيجة عمل دؤوب وحرص شديد على دوام هذا الصلاح بعد تحصيله..
ومن سابع المستحيلات أن نُحَصِّلَ الصلاح بالمقارنات وذكر الأقوام الأُخر والأزمنة البالية، لأن لكل زمان ومكان صلاح ظاهر وفساد باطن يقابله، وما صلاحه الظاهر إلا لتراكم جهود العلماء والعاملين وأصحاب الهمم، الذين سعوا لصلاح زمنهم ومكانهم دون الالتفات لغيرهم..
كما أن صلاح أقوام قد لا يصلح لأقوام أُخر، لأن رسالة هؤلاء غير رسالة أولئك، ورصيد هؤلاء غير رصيد أولئك، فإسقاط الأحكام جزافا بينهم ضرب من الهروب للأمام من واقع عجزنا عن فهمه، وإدراكه، فما بالك بتغييره!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق