إنّ أشدّ العواطف على النّفس البشريّة الحنين بأنواعه.. فالحنين مدعوم بثقل الماضي وخيالات الأوطان وأطياف الأحباب.. وهو شبح لا يمكن الخلاص منه.. وهو مرسول النّفس العميقة للوعي الحاضر للمحاسبة!!
فبحنينك تخطّ صحيفتك وتزن أعمالك.. فمن كان حنينه في رمضان إلى الفوازير والمسلسلات والسّهرات والخيم الرّمضانية، يتحسّر على ما مضى منها ويذرف الدّموع عليها.. فليعلم أن ما مرّ عليه من رمضانات كان لها.. وليجدّد النّية وليتَعَرَّف من جديد على رمضان فهو لم يعرفه من قبل!
ومن كان حنينه إلى روائح المطلوع وحلاوة البقلاوة والشاميّة والزّلابية وصباع القاضي.. فليعلم أن حنينه إنما هو إلى الشّهر الغلط.. فرمضانه لم يكن أبدا شهر الله الفضيل المبارك..
ومن كان حنينه إلى خشوع زائف صنعته الأضواء الخافتة الشّاعريّة والمؤثّرات الصوتيّة والصّدى والبرودة المكيّفات والرّخام المزخرف.. فليعلم أن حقيقة الخشوع نور يقذفه الله في قلب العبد ولو كان يصلّي على الحصى والعرق يُلجِمُه عن النّظر والسمع..
ومع هذا.. فالحنين إلى كلّ هذا أقوى من أن نتحكّم فيه فلا يأتينا.. وأن يبقى في مقام الخواطر والوساوس فذلك حال الإنسان ومقام الفطرة الّتي فطرنا الله عليها.. لكنّ المحظور، وما ينبغي أن يترك، هو أن نجعل ذلك على ألسنتنا وفي قلوبنا وأن نجعل من رمضان شهر لذلك ونحاول أن نجترّ ونعيد للشّهر ما ليس منه وما ليس فيه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق