عن الحسد يا حاسدي

قال أحد الفقهاء:
يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود:
 - غمّ لا ينقطع.
 - مصيبة لا يؤجر عليها.
 - مذمّة لا يحمد عليها.
 - سخط ربّ العالمين لعدم الرّضا بقضاء الله.
 - إغلاق باب التّوفيق.

ما أسماه الأراضي المحتلة

في معرض تقديم مذيعة الجزيرة لنشرة الأنباء (19-10-2012)، وعندما تعرضت لأقوال أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، قالت وبالحرف "ما أسماه الأراضي المحتلة"! وذلك تلميحا إلى أرض كانت بالأمس القريب تسمى فلسطين؟!
فهل هكذا يكون حمل هموم الأمة العربية والإسلامية، وهل هذه هي العروبة يا جزيرة؟ وهل هذه هي تباشير الربيع العربي؟ وهل الربيع العربي والثورات العربية قامت لكي تصبح كلمة "الأراضي المحتلة" كلفظة "الإرهاب" عندما ننقلها عن الأمريكان بقولنا "ما تسميه أمريكا بالإرهاب"؟ وهل بلغ حقدنا وكرهنا لإيران أن نقف بجانب أعدائها ولو كانت إسرائيل؟

من أجل التغيير

مجموعة مقالات متنوعة كتبها مفكرنا الكبير مالك بن نبي شكلت كتابه من أجل التغيير.
مجموعة مقالات تعطينا صورة ولو مجزوءة لحال البلاد بعد الاستقلال من وجهة مفكر عايش السنين الأولى للاستقلال، وكان في دائرة النخبة الفكرية والثقافية، وتابع عن قرب أولى الخيارات والتوجهات الفكرية والثقافية للدولة الفتية.
من خلال هته المقالات نكتشف شغف المؤلف ومن وراءه لفيف من المثقفين ببعض القرارات والمخططات التي تبنتها الدولة وقادتها في الجزائر وحتى في عالمنا العربي. يعكس طمعا وأملا في النهوض بمجتمع يبني ويساهم في الحضارة الإنسانية.
كما تعكس المقالات –إن قارناها بالواقع المعاصر- هشاشة التطور العام للمجتمع المحلي والعربي والإسلامي، في ضوء الانفصام الذي لازم ويلازم دائما النخبة بين الفكرة النظرية والواقع العملي المطبق. هذا الإنفصام الذي يؤدي دائما إلى قهقرة التقدم أشواطا كلما سار نحو الأمام شوطا. وهو ما يجعلنا نلاحظ اتساع الفجوة أكثر بين ما هو كائن، وما يجب أن يكون، وكل هذا بسبب المنومات التي نتعاطاها من الخطب والإعلانات ونشرات الأخبار والجرائد الصفراء. وهي منومات تجعلنا نسفه الأخطاء والأخطار والمصائب، إلى أن يلتهمنا الطوفان ونحن نيام أو سكارى.
ومن الصور التي لا زلت أتمثلها بعد قراءة الكتاب، ما آل إليه قبر الرسام دينيه ومنتجعه، من استغلال بشع وبعيد حتى عن أي جمالية أو ذوق.. بطريقة تنم عن الفوضى الجمالية والأخلاقية التي نعيشها بطريقة للأسف أقل ما يقال عنها أنها حيوانية! 

الإمتاع والمؤانسة

كتاب الإمتاع والمؤانسة من أمتع الكتب التي مررت بها، ومن أشدها جلبا لذهن القارئ، وأسهلها عليه.
الكتاب جمع فيه صاحبه أبو حيان التوحيدي حكايات سمره مع الوزير الحسين أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي. وكان أبو حيان جليس الوزير في هذه الليالي، يحادثه ويجيب عن أسئلته في شتى الألوان و الفنون.
والقارئ للكتاب يدرك الفرق بين حكام اليوم والأمس، وبين علماء اليوم والأمس. لقد كانت جلسات الوزراء أدبية، علمية، وفنية.. حتى المجونية منها. وكان الوزير يحب الاستمتاع بموالح الأدب، ودقائق الفنون، ويسمونه سمرا بعيدا عن عهر الغواني والفساق. وإن كان لهم نصيب من هذا الأخير، لكنه لم يكن ليمنعهم عن الأدب والعلم والشعر.
والكتاب يرفع الملل عن نفسه بتنوع مواضيعه، وتعدد مجالسه ولياليه. ويخوض في طوائف من أخبار الفقه والفلسفة والشعر والطب وغير ذلك.
وقد ذكر محقق الكتاب أن هذا التأليف عدا عن تعرضه للحياة البغدادية آنذاك، يعد أول من كشف عن مؤلفي رسائل إخوان الصفا المثيرة للجدل.

النظام

هل لدينا مشكلة مع القانون والالتزام به؟ أم أن مشكلتنا مع النظام كمبدأ؟؟ صراحة لا أجد تفسيرا لكثير من المواقف التي نشاهدها آلاف المرات كل يوم في أسواقنا، وطرقنا، ومدارسنا وجامعاتنا، ولا ننسى إداراتنا ومشافينا.
يكاد المتجول في بلادنا الحبيبة من شرقها إلى غربها لا يعثر على ذرة التزام أو احترام للنظام.. فإذا لحقت بإشارات المرور، لا تجد احترامها إلا إذا كان الشرطي واقفا بجانبها وينظر إلى السائقين في أعينهم ويشير إليهم بل ويصرخ أن احترموا إشارات المرور! وبمجرد إتاحة الفرصة لسائق بخرق الأولوية، أو زيادة السرعة أو التجاوز بغير حق.. حتى يستغل تلك الفرصة لتصبح المخالفة في ثوان حقا اكتسبه، إياك ثم إياك أن تعترض!
أما عن الانتظار في الأماكن العامة فحدث ولا حرج، فالانتظار كباقي الآدميين وبصبر وأناة صار ضربا من الجنون والسفاهة وعدم الحنكة، فلا تسمى رجلا أو امرأة إذا لم تأتي أخر الآخرين وتتقدم مباشرة أمام الشباك وتستعمل كل آلات "القفازة" (المقصود بالقفازة في عاميتنا الحنكة والدهاء والمكر) لتكون أول المسرحين والخارجين.. وإذا ما صادفت عدوا من أعداء الفوضى.. فهلم إلى السب والشتم والضرب والقلع.. وتلفيق القصص عن نهوضك على الساعة الرابعة صباحا وووصولك إلى باب المصلحة على الساعة الخامسة صباحا وو..
القفازة التي تنخر في جسم مجتمعنا جعلتنا حيوانات يتربص بعضنا ببعض، وجعلتنا نخرج من بيوتنا كل يوم متأهبين كالمقبل على الموت أو الحرب، وجعلت أولادا صغارا لم يتعلموا حتى كيفية قضاء حوائجهم ينصبون أنفسهم حماة للانظام، ويفرضون منطقهم على أهل العلم ومن كان يوما صفوة المجتمع.. في بلد صار فيه الالتزام بالنظام "نية"، و"هبلا"، وضربا من الحلم والخيال.

أمة تطلق زوجاتها من أجل الإسبان

قرأت خبرين عجيبين أملحين أقرنين! أثارا في نفسي اشمئزازا واحتقارا لا يوصفين لما وصل إليه حالنا العجيب الغريب.
الخبر الأول يتعلق باسقبال برشلونة بمناسبة لقاء الكلاسيكو بين البارصا والريال للجندي المحرر المسكين الطيب المحبوب شاليط! وهو أمر ليس فيه عيب. فأوروبا المتحررة حاملة لواء الحرية منذ قرون النهضة على يد الإسبان والبرتغال، ثم الفرنسيس والإنجليز، وأخيرا الأمريكان.. أوروبا هته لا يمكنها إلا أن تقدر رمزا من رموز الحرية والتحرر كهذا الأنوش، إبن أمه وأبيه، شاليط الذي عانى الأمرين على يد الإرهاب والإرهابيين. فكيف لا يحق للإسبان أن يحتفوا به ويجعلوه أيقونة للسلام.
الخبر الثاني محلي، ويتعلق بشاب، هو أيضا رمز للسلام العالمي، والحرية في أسمى معانيها، حرية التعبير والرأي والفرحة. هذا الشاب السطايفي أقدم على ركل زوجته تتويجها بأوسمة من درجة عاهة وضرب وجرح، ومنحها وسام "مطلقة من الدرجة الثالثة"، وذلك عرفانا لها وتقديرا على إبداء رأيها المساند للريال، والمخالف لرأي زوجها البرشلوني القح، والأسبنيولي الوقح!
هذان الخبران وردا في كل الصحف الوطنية جنبا إلى جنب، يحكيان واقعا مرضيا يعيشه شعبنا العاقل المجنون.. شعب يحب جلاده ويؤذي زوجته ويطلقها، ويطعن صديقه ويذبحه، وسيب أولاده من أجل عدوه بالأمس واليوم. شعب يطلق زوجاته من أجل لعبة ليس له منها لا المال ولا اللقب ولا الرسم. شعب أعلام البارصا لدى مقاهيه وحلاقيه أكثر من أعلامه الوطنية، ويتابع أخبار ساقطات نجوم البارصا أكثر من أخبار علمائه وقادته ومفكريه..
شعب كهكذا شعب! يستحق قادة وأوضاعا وظروفا.. والحق يقال أحسن بكثير!!!

أليس في بلاد العجائب

أليس في بلاد العجائب من روائع القصص العالمية شئنا أم أبينا، فهي قصة موجهة للأطفال شكلا بامتياز، فالقصة وتجسيداتها من رسوم خالية من أية قصص غرامية أو إيحاءات أو شخصيات بملابس شبه فاضحة –كما نرى للأسف في حصص موجهة للطفل على قنواتنا الوطنية والعربية–، وهي حكاية بسيطة تبحر بخيال الأطفال في عالم متناقض يشده ويلفت فيه الحس بالواقع من خلال سرد اللاواقع!
كما أن الإبداع الفني رائع وخصب ينم عن عقلية فريدة ومتميزة.. جعلت من الحكاية أدبا عالميا! وإن كانت اليوم منسوخة بالبوكيمون والباكوغان وما تحدثه من تشوهات فكرية وسلوكية لدى الناشئة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة.. لماذا نعجز نحن في وطننا، أو عالمنا العربي أو الإسلامي عن إبداع أدب للطفل يكون قادرا على التجسد في أعمال سينيمائية مصورة أو مرسومة؟ وينافس الأدب العالمي ويصير علامة مسجلة للطفولة كما هي أليس؟ ويمكننا أن نعتمد عليه في مقرراتنا ومناهجنا.

ميلاد مجتمع

من مؤلفات مالك بن نبي كتابه القيم الذي يتعرض لمفهوم المجتمع من حيث نشأته وتكوينه، ودوره. وهو دراسة عميقة ووافية لماهية المجتمع، والفرق بينه وبين التجمع البشري العفوي البدائي..
ومما لفت انتباهي في الكتاب تعرضه لفئة هامة من مجتمعاتنا المتخلفة، وهي الوحيدة –في الظاهر- التي تؤدي دورها بامتياز في وقتنا الراهن.. إنهم القوارض!
يقول مالك بن نبي: "وحسبنا أن ننظر حوالينا، لنرى هؤلاء القوارض يعملون في بلادنا، وكيف أنهم مدفوعون دائما إلى المسرح بيد خفية.. فإذا احتجنا اليوم أن نعد في بلادنا دفاعا من أجل الحضارة، فمن الواجب أن يكون دفاعا ضد هذه القوارض".
فلنحذر جميعا من هذه القوارض التي تقرض العلاقات الاجتماعية، وبذلك تقرض الحضارة والتعايش الكريم العادل.. ولنحذر قبل ذلك أن نكون نحن أيضا قوارض من حيث نشعر أو لا نشعر..
فلنعمل أكثر مما نقبض، حتى لا نقرض من عمر حضارتنا ومجتمعنا.. ولنحب أكثر مما نأخذ حتى لا نقرض من عواطفنا ومشاعرنا.. ولنساعد الناس لوجه الله أكثر مما نطلب العون والمدد حتى لا نقرض من هناء مجتمعنا واستقراره.. ولنتعلم أكثر مما نعمل أو نكسب به رزقنا حتى لا نقرض من حكمة مجتمعنا.. ولنعبد الله بإخلاص أكثر مما نعتقد خطأً أنه سيدخلنا للجنة حتى لا نقرض من روحانية ونورانية مجتمعنا..

عن مسلسل إمام الدعاة

لا أحد ينكر باع أهل مصر في التمثيل أفلاما ومسلسلات، ولكنهم غالبا ما يجانبون الصواب في الأعمال التاريخية، ولست أدري إن كان ذلك لضعف احترافيتهم، أم لتكاسلهم عن الخوض في تفاصيل الأحداثث التاريخية بكل موضوعية؟!
فلقد شاهدت أخيرا حلقات من مسلسل يحكي سيرة الشيخ الشعراوي رحمه الله، وكم أحزنني كيف تعرض القائمون على المسلسل لفترة ضيافة الجزائر لهذه الشخصية البارزة. فالجزائريون يكنون للشيخ الشعراوي وكل علماء الإسلام المحبة والاحترام والتبجيل، ولكن أن تعرض صورة الجزائر في المسلسل بصورة ساذجة وباهتة وسطحية وكأن المصريين لم يسمعوا ببلد إسمه الجزائر من قبل.. ففي هذا رائحة ليست بالعطرة تماما..
فالبداية كانت بتقديم اللهجة الجزائرية كهجين من اللهجات الخليجية واليمنية، بلا رابط ولا شبه مع أي لهجة جزائرية ولو كانت محلية! وكان الأولى بهم الاستعانة بممثلين جزائريين وما أكثرهم!
ثم كيف يجعلون الثورة الجزائرية الكبرى وليدة شخص واحد مهما كان علمه وورعه، ثم متى كان هذا الشخص صاحب الرأي عند أولي الأمر في الجزائر؟؟!
إن عرض المسسلسل للجزائر ولو في فترة قصيرة بهذه الطريقة لا يعدو النظرة الشرقية للتاريخ قديمه وحديثه، على أنه أحاديث ألف ليلة وليلة، المفعمة بالبطولات الفردية والزعامات الكاريزمية.
التاريخ ليس هذا ولا ذاك، والفن الذي لا يحترف كالفنون العربية، حتما سوف يندثر ولو لبس عباءة الدين، أما الفن المحترف كالفنون الغربية فله الخلود في الأرض، ولو كان ماجنا.

عن مسلسل عمر

كلنا نشاهد هذه الأيام مسلسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبغض النظر عن جواز تجسيد أشخاص الصحابة وما قاله أهل العلم والاختصاص في ذلك، فإن المسلسل مساهمة حقيقية في تقريب تاريخنا من الناس بطريقة عصرية وبلغة العصر. 
ورغم النقائص التي يمكن أن تشوب العمل من بعد الممثل المختار للدور عن الثابت من التاريخ حول مواصفات الخليفة الثاني، وديانته التي تمثل مساسا بمشاعرنا نحن المسلمون، وضعف الللغة المستعملة والتي هي بعيدة كل البعد عن لغة العرب أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وأشياء أخرى كثيرة.. 
رغم كل هذه النقائص،فإن العمل يحاكي الاريخ أكثربكثير من الأعمال المصرية التي لطالما صورت لنا التاريخ على أنه فنتازيا ألف ليلة وليلة، وعلى أنه منامات وخيالات. كما أن حسنة العمل هي تقديمه بمؤثرات تسموا به للعالمية، وتجعله أقرب للمشاهدة من أبناءنا الذين نشؤوا في مجتمع ووقت لا مكان فيه للقراءة، وهم بأمس الحاجة لكثير من هذه الأعمال بدل الاشتغال بإنتاج أعمال تكرس الغزو الثقافي وتعريفهم بحياة لا علاقة لهم بها، ولا تصلح لهم أساسا.

عن مسلسلات رمضان

جميلة حسناء على شاطئ البحر،بثياب نظيفة جدا جدا، وتسريحة شعر عالمية لا شائبة فيها، ومكياج مثير مدروس ومتناسق جدا جدا جدا.. تكلم حبيبها عن العمل وعن أعباء هذا العمل الثقيل الشاق، لتدخل بعد ذلك إلى شقتها الفاخرة الزاهية كالمتحف، النظيفة البراقة مع كل ما فيها من تفاصيل وثنايا وأثاث.
وكل هذا والبطلة تقوم بكل أعباء المنزل، وهي مع ذلك تمتلك أحدث وسائل الرفاهية من هاتف وسيارة وألات.. وفوق كل هذا وذاك، البطلة ليست إلا سكرتيرة متواضعة! هذه هي الصورة التي تنقلها بعض المسلسلات التلفزوينية الرمضانية وغير الرمضانية التافهة للمشاهدين أو على الأقل لي شخصيا! فتخلق بذلك انفصاما في الشخصية، وإحباطا أمام الواقع الذي لا يمت بصلة لهذا الكذب والهراء.
فقديما، وحتى فى الأعمال الفنتازية، نرى الغني غنيا بخدمه وحشمه، والفقير فقيرا بعفنه ووسخه، والمتوسط متوسطا بحاله المتبذب. ولكن المكسيك والأتراك والبرازيليين وحتى الكوريين وأجناسا أخرى لا أعلمها قد جادوا علينا بهذا النوع الجديد من الكذب الذي نصدقه (وإن كنا نتظاهر بتكذيبه ولكن لاوعينا يصدقه واقعا وعملا) الذي جعل شبابنا وشاباتنا كلهم أبطالا من ورق، يريدون السيارة والصاحبة والقصر والعمل بالبذلات والمكيفات، وكل هذا بلا دراسة ولا تعب ولاتكوين ولا سبب ولا أي حركة أو هز أصبع!!!

النشيد الإسلامي

أتذكر النشيد الإسلامي أيام كان يتداول من يد ليد، وأيام كان حمل الشريط الإسلامي تهمة ومفسدة عظيمة تذهب بصاحبها وراء الشمس! أتذكره أيام كان الصوت جهوريا بلا إيقاع ولا صخب إلا دف خفيف أو ما شابه. أتذكره أيام كانت العناوين قليلة وقليلة جدا، والمنشدون قليلون وقليلون جدا جدا! أتذكره أيام كان المنشد أسطورة يصدح بالنشيد من أجل إعلاء كلمة الحق وهو مدرك لخطورة ذلك ولا يبغي من وراء ذلك لا شهرة ولا مالا! أتذكره أيام كان ممنوعا من التسجيل ومن العرض وحتى من الصرف!
ذلك النشيد الإسلامي الذي أعرف! وليس النشيد الذي تطغى فيه الآلة حتى أضحى المنشد لا يقبل إحياء زفاف حتى يؤتى له بالمكبرات والآلات والمازجات والكاسحات! وهو ليس ذات النشيد الذي صار أصحابه نجوما يحيون حفلاتهم في الفنادق الفاخرة المليئة بالخمر أمام السافرات بدعوى الدعوة التي أصبحت لا تمارس أمام الفقراء!
وهو حتما ليس النشيد الذي صار محفوفا بألف حق وحق فصار رفاهية في المجتمع بعدما كان سبيلا من سبل الدعوة. وأضحى احترافيا وسبيلا للعيش، بعدما كان ترفيها حلالا ولهوا مباحا. فبالله عليكم أيها المنشدون، كونوا دعاة بحق، أو خوضوا الاحترافية الكاملة بعيدا عن شعارات البديل الإسلامي والدعوة و"في سبيل الله"!

الإسلامي وغير الإسلامي

قد يكون ما أقوله الآن محرجا ودقيقا، وقد يعتبره البعض تهجما لائكيا وتعد صريح على قيم إسلامية وإيمانية لا تقبل النقاش. لكني سأبوح به رغم ذلك لأني أراه حقيقة نرفض نحن أنصار الشريعة والإسلام والحق أن نراها رغم أنها أصبحت ساطعة ناصعة. هذه الحقيقة هي أننا بإضافة مصطلح "الإسلامي" إلى نشاطاتنا وأعمالنا وأفكارنا قد حطمنا الإسلام ونسفنا مفهوم الدعوة من الصميم. فمصطلحات "البنوك الإسلامية" و"الزفاف الإسلامي" و"الحزب الإسلامي" و"الفكر الإسلامي" و"الاقتصاد الإسلامي" و"النشيد الإسلامي" ولدت من بين ما ولدت ظاهرتين:
1. خلقت قوقعتين في المجتمعات، أو تيارين "إسلامي" و"غير إسلامي" متمايزين ومتنافرين وبعيدين كل البعد عن اي تواصل فكري أو حوار من باب "كل حزب بما لديهم فرحون"، فانتقل مفهوم الدعوة من إصلاح المجتمع وجره إلى القيم الأصيلة للإسلام، إلى معركة حول تحويل فرد من هذا التيار إلى التيار الآخر أو العكس. وتحولت جهود الإصلاح من محاولة لرد الناس إلى الممارسات السليمة والرقي بالمجتمع إلى درجات الكمال، إلى محاولة إثبات للذات، وفرض لأيقونات وشعارات هي بالأساس فهم محدود وتعصب للرموز والأسماء.
2. كما أنها احتجزت الإسلام ضمن فهم معين لطائفة معينة فقولبته في قالب خاص، إما أن تقبله كما هو، وإما أن تعتبر غير إسلامي، أو تتهم بكونك علمانيا أو ملحدا. فصار الإصلاح في المجتمع –الذي هو واجب من واجبات الإسلام- هو الإسلام كله، فصار بذلك الإسلام حزبا وتيارا في المجتمع، عوض أن يكون دينا للمجتمع. وتحول بذلك نفور الناس من الإصلاح إلى كراهية للإسلام وتمرد عليه. ولسنا نعجب بعذ ذلك أن جهود الإصلاح لا تأتي بما هو مرجو، بل بنتائج أكثر سلبية ومأساوية. إن الساعي إلى الإصلاح لا بد أن يتنصل من الدفاع عن المصطلحات، وإثبات الحق لفلان أو علان. ولا بد أن يسعى إلى إحقاق الحق ونشر الفضيلة، والناس بعدها سيتوجهون طوعا إلى التسمية الصحيحة والمعنى الحق.

الدالة في الجزائر.. أقوى من الفايس بوك

ابتليت بزيارة مستشفى بالعاصمة اليوم. وكم كانت دهشتي لا توصف عندما غادرتها واسترجعت شريط الذكريات....
لقد وصلت المستشفى أول الأولين وهو قرية خاوية على عروشها، وتجولت في كل مصالحه الاستشفائية والطبية وشبه الطبية قبل أن أصل إلى المصلحة التي أريدها –وليس ذلك بغرض التجول طبعا، وإنما لأن الموظفين للأسف يتظاهرون بأنهم لا يعرفون المستشفى جيدا فيرسلونني بنظام محكم إلى موقع بعد الآخر- لأجد نفسي في الأخير قد تعرفت إلى كل العاملين المرغوب فيهم وغير المرغوبين.
وعند وصولي إلى ما أريد، وجدت قاعة الانتظار قد امتلأت عن آخرها، لأكون آخر الآخرين.. ثم تحولت بقدرة القادر عز وجل إلى أول الأولين مرة أخرى دون أن أفهم شيئا! ثم وبقدرة القادر دوما وأبدا وجدت نفسي -مع أنني أول الأولين- آخر من يدخل إلى الفحص عند الطبيب؟!
وبين الانتظار والدخول مررت والجمع الكريم بمراحل "المداصرة" النفسية كلها: الفحص المرئي، الفعل المرائي، الاشمئزاز، التعليق، ثم الكشف التام.
فأول القصيدة نظرات من الجميع إلى الجميع تتفحص الملابس والقوام والأحذية والساعات والخواتم والشعور وكل ما تصل إليه العين.. ثم يتبرع البعض ببعض الأفعال أو الأقوال من قبيل مهاتفة شخص لأتفه الأسباب، أو سؤال شخص ما عن موضوع لا علاقة له لا بالسائل ولا بالمسؤول، أو قرع للباب أو الكرسي، أو ما شايه ذلك.. عندها يعلق البعض الآخر على هذه الأفعال وغيرها من قبيل تأخر الطبيب، أو تأخر الدواء، أو تأخر الشفاء، أو التأخر العقلي.. لينطلق الجميع بعد ذلك في محادثات تكشف أسر الأسرار..
عندها أدركت، وبعد لملمة خيوط القضية أنني تعرفت على عمال المشفى، والمرضى والأطباء في أقل من نصف يوم بطريقة لا يمكن أن تكون عفوية أبدا.. وأدركت حينها أن "الدالة" أو "الانتظار" عندنا أقوى ألف مرة من الفايس بوك، وأنها قد تخطت شبكات التواصل الاجتماعي بمراحل ومراحل.. فمن قال أن التواصل الجتماعي مفقود في بلدنا؟

في ذكرى عيد المرأة

يحق للمرأة أن يكون لها عيد! ومن الظلم مصادرة هذا الحق بدعوى الشرع والعرف والأخلاق. فجعل يوم من أيام العام لتذكر المرأة ومراجعة موقف المجتمع والشرع والقانون منها شيء حسن يقبله العقل، ولا أظن مشايخنا أهل العلم يعترضون عليه أيضا؟
إنما المشكل –في نظري- يكمن في ما وراء وما قبل وما بين سطور هذا العيد!
وأول القصيدة جعل عيد المرأة اليوم الوحيد من العام الذي نتذكر فيه أن للمرأة الحق في أن تعمل لا كالرجل بل أقل منه. وهذا وإن كان إقرارا ضمنيا من الرجل والمرأة بأن للمرأة التزامات بيتية وأسرية تمنعها من العمل بدوام كامل، فلم يحدث أن طالبت به أنثى؟ لأنها إن طالبت به اعتبر ذلك انتقاصا لمكانة المرأة واعترافا منها أنها أضعف من الرجل!
إن مطالبة المرأة بالمساواة الحسابية المطلقة مع الرجل مرض ابتليت به الإنسانية من أناس هم أشد عداوة للمرأة! وأشد من ذلك في مجتمعاتنا، نجد المرأة ساكتة عن حقوق هي لها بنص العقل والشرع والعرف! وتدعي النضال في مطالب ما أنزل الله بها من سلطان. فالمرأة تسكت عن غلق المساجد في وجهها –اللهم إلا في بعض الجمع أو الأعياد ببعض المساجد- وقد كانت تصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده؟ ونجدها تتغاضى عن حقها في نظرة متكاملة لوضعها في المجتمع بحيث يؤخذ قيامها ببيتها، ورعايتها لولدها مأخذ العمل خارج البيت على أنه عمل وشغل وضرورة للمجتمع لا مجرد حياة خاصة ينبغي عليها الاختيار بينها وبين الحياة المهنية؟ وفي مقابل ذلك تطالب المرأة بحرية التعري والجنس مستأسدة في ذلك باتفاقيات حقوق الانسان والحيوان، وتنسى أن الحصول على ذلك لا يستدعي يوما ولا احتفالا ولا مطالبة، بل مجرد نقص في العقل والدين والأخلاق! كما نجد المرأة تطالب بالمساواة في الميراث وتنسى أن الميراث شرع الله الذي جعل النفقة لها واجبة من الحياة إلى الممات وهي حق لها لأنها تحمل وتضع (تلد) وتنفس (من النفاس) وترضع، وتسهر وتربي وقسم لها فوق ذلك ذمة مالية خاصة! ؛ أما المساواة في الميراث فهي قسمة العبد (أو الشيطان) الذي فرض عليها العمل ولو بامتهان شرفها لكي تأكل وتشرب، ورفع عنها الكفالة بمجرد بلوغها سن البيع والشراء، وقسم لها فوق ذلك الحق لزوجها لكي يتخذ من دونها خليلات وخلانا..