المداومة

المداومة فعل للنفس في الشغل والزمن، تقتضي الفاعلية والاستمرارية. فلا صف الفراغ والعطل والخمول بالمداومة! لأنها لا فعالية فيها وإن كان فيها لستمرارية تلقائية في الزمن. خير الأعمال أدومها وإن قلت.. أثر يحث على المداومة ويرغب فيها، ويعطي في نفس الوقت مفتاحا للديمومة. إنها القلة، فالقلة تبعث على الراحة، وتنفي عن النفس الهم وكثرة الشغل بالعمل، فترتاح النفس للعمل، وتداوم عليه دون مشقة أو نصب. آفة مجتمعنا مؤسسات وأفرادا أعمال نبدؤها ولا نكملها، وسنن نبعثها ولا نداوم عليها! ولذلك نرى بنايات مشوهة، وأحياءا عشوائية، وأناسا يتفاخرون بالماضي، وكل ذلك لماذا؟ لأننا لا نداوم على خير، فنعيش على ذكرى ما فعلنا منذ زمن دون أن نحاول تجديده أو فعل أحسن منه. لأننا نبدأ إنشاءات حسية ومعنوية، ولا نداوم عليها أو على مراقبتها، فتكون النتائج تشوهات خلقيت وخلقية. وغالبا ما يكون السبب حجم ما نقدم عليه، نكلف أنفسنا ما لا نطيق، فنقلع عن الكل مرة واحدة. خير الأعمال أدومها وإن قلت..

عن التجديد

التجديد يبعث على النشاط بمجرد ذكر اسمه، ذلك أن الإنسان أكثر ما يكون نشاطا وحركة عند بدايات الأمور. لذلك ينصح النفسيون، والنفسانيون، والمعالجون بالتغيير لمحاربة الخمول والملل وما ينتج عنهما من يأس وإحباط واكتئاب. فالملاحظ لكل نشاط إنساني جماعيا كان أم فرديا، من التيارات الإجتماعية، والثورات الفكرية، إلى المذكرات الدراسية والمشاريع الفردية البسيطة، يدرك بسهولة مدى الزخم الذي يطبع البداية، التي عادة ما تكون قوية، ومفعمة، وجامحة. ولكن، وبمجرد مرور وقت يسير، تفتر الهمم، ويقل الأتباع، وتظهر النيات والاستعدادات لمرحلة أخرى قبل أن تأخذ هذه المرحلة حقها. وكل هذا بسب النمطية، والألفة التي تبعث على الملل، وتدفع النفس للبحث عن شيء جديد! التجديد ضرورة وحاجة ماسة إذا أردنا أن نكمل واجباتنا، أو أعمالنا، أو مشاريعنا، أو حياتنا ككل. ينبغي علينا الخروج من النمطية وتجديدنا باستمرار. ولابد أن يشمل التغيير كل شيء، مرة مرة.. من الهندام والهيئة، إلى الأفكار ومرامي والمقاصد، مرورا بالطرق والسبل والوسائل. علينا أن نغير ونتغير، ولنحذر فقط ألا يكون ذلك للأسوء.

حالة خاصة

كم هو مذهل ذلك الانفصام الذي نعيشه، ويعيشه خاصة ما يسمى بالمثقفين في وطننا. الانفصام الذي يجعل كل واحد منا مشاهدا ومراقبا للمشهد على تنوعه (ثقافي، سياسي، اجتماعي، دعوي..) متناسين أننا جزء من هذا المشهد شئنا أم أبينا. فالمثقف يحلل الواقع الاجتماعي مثلا، ويصف الداء والدواء في نفس الوقت، ويطرح الواقع والمآل بحدة ونظر لافتين للانتباه. فتجده تارة ينتقد تواطؤ الناس على دفع الرشى، ولجوءهم لتقديم الهدايا للحصول على حقوقهم، ويصف الحل في امتناع الناس والصبر على حبال الإدارة الطوال لنيل الحقوق، مع أنه أول من يدفع الشوة، ويتصل بالقريب والبعيد لقضاء المصالح! وتجده تارة أخرى ينتقد قانون الغاب، ولجوء الناس للخطأ في معالجة الخطأ، مع أنه أول من يستغل المنصب والأهل والمعارف لاسترجاع الحق ولو بطريق ملتوية. هذا المثقف هو نفسه الذي يحث الناس على الجهر بالحق، والصبر على كلمة الحق، وهو ذاته الذي ينمق الكلام ويجمله للحبيب والعاذل. والجواب الذي نتلقاه دائما عندما ينكشف أمر واحد منهم: لا تقيسوا علي! فأمري حالة خاصة.. فهلا التمست العذر نفسه للآخرين؟ فلنكن إذن كلنا حالات الخاصة!

المردودية

لا يمكن الحديث عن المردودية أو الإنتاج أو التحقيق دون وجود هدف أو رسالة أو غاية. ورغم ذلك أقول دائما عند انقضاء يومي لم أحقق شيئا اليوم، أو لم أفعل شيئا اليوم، أو أن النهار قد مضى دون فائدة! ولست الوحيد، كلنا نقول ذلك، ونحن نجهل أو نتجاهل أن هذا الكلام لا معنى له.

إذ كيف بنا لم نحقق شيئا ونحن أصلا لم ننو فعل شيء عند أول النهار. فكيف يندهش من لم يفعل شيئا وهو غير مطالب أصلا بأن يفعل شيئا وكيف يحبط من لم يعمل وهو لم يفكر في فعل شيء أصلا؟ وربما لهذا السبب لا تصاب البهائم بالإحباط!.

بعيدا عن الفلسفيات، لا بد من تغيير بسيط في تفكيرنا بطرح الأمور ببساطة. العامل البسيط الذي يشتغل على الآلة لثمان ساعات في اليوم لن يقول يوما هذا، ذلك أنه في كل صباح يعلم أنه مطالب بتشغيل الآلة لهذه المدة، ويعلم أنه ليس مطالبا بشء آخر. وهو يفعل ما هو مطالب به، وليس يسأل عن غيره. فيومه ينقضي بانتهاء عمله وقد حقق رسالته.

ينبغي نقل فكر الآلة إلى كل واحد فينا! ويجب أن نتعامل مع ما ينبغي علينا القيام به على أنه شغل محدد لن يقوم به أحد غيرنا: من أداء الصلوات الخمس، والأكل والشرب، إلى حل مشكلات الحضارة ومحاربة التصحر.

إنه الترتيب البسيط للأفكار، وتحديد الوجهة اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية والحياتية ما يمكننا من الحكم عند نهاية المطاف عى أنفسنا هل حققنا شيئا أم لا؟ عندها يمكن الحديث عن المردودية.