الطريق السيار.. ومعركة المراحيض

السفر البعيد وقطع المسافات، وخاصة الطويلة منها، ينهك الجسد، ويملأ المثانة، فيحتاج المرء بالتالي إلى إفراغها، وهذه حقيقة بيولوجية لا ينكرها إلا ميت! والناس في ذلك على الطريق السيار مذاهب:
فالقسم الأول، ممن ذهبت مروءته وجف ماء وجهه، يستجيب لنداء التبول لأول لحظة، فتراه يوقف سيارته أو شاحنته على سبيبة الوقوف الاضطراري، ليقف كالنصب التذكاري مفرغا حمولته على قارعة الطريق، ونحمد الله على أن وفقه لأن يجعل ظهره إلينا لا قبله! وأحيانا كثيرة يتجنب هذا النوع من الناس حتى الاستتار بسياراتهم، وكأنهم يريدون من كل من يمر بهم أن يعلم ما يفعلون.
أما القسم الثاني، فيتوقفون ككل إنسان متحضر في مساحات الراحة، أو ما يسمى بمحطات الخدمات، ويتوجهون إلى المراحيض العامة، أو إلى ميضاة المصلى لقضاء حوائجهم، وهذا فعل حضاري يشكرون عليه. غير أنك ما إن تصل إلى هذا المكان حتى ترى العجب العجاب، وخاصة في أوقات الذروة، عندما تصل سيارات الأجرة، ويتراكم الناس على المحطة.
أول ما يشد النظر هو طابور الانتظار الفوضاوي عند المراحيض، فعليك أن تقف أحيانا عند باب المرحاض وتنتظر خلوه حتى لا يسبقك إليه أحد، ولك أن تتصور ما يمكنك سماعه وشمه قبل أن يتسنى لك أنت أيضا أن تسمعه وتشمه لغيرك!
وعندما يحين دورك، لك أن تتخيل ما تجده بالداخل، من فظاعات نتعفف عن ذكرها حفاظا على الذوق العام! ومع أن المراحيض كلها مزودة بالمياه، وبالمرشات، وبسلات القمامة، إلا أن بعض الكائنات المستعملة لها تتفنن في إلقاء فضلاتها وأوراقها، وحتى حفاظانها وحفاظات أولادها يمينا وشملا، وحتى –وقد شهدت هذا بالفعل- على مقابض الحنفيات والمرشات؟! ويستوي في هذا مراحيض الرجال والنساء، بل ولقد بلغني عن مراحيض النساء اللواتي يفترض بهن أن يكن أكثر نظافة وحبا للنظافة، أنها أكثر تنفيرا وتلويثا..
أما القسم الثالث، والذي أخرت ذكره، لأني أسعى جاهدا لأن أكون منه، فيحاول قدر المستطاع أن يحبس نفسه حتى يصل إلى بيته أو فندقه.. وهذا حتى يتجنب التعرض لمواقف القسم الأول والثاني، والتي أقل ما يقال عنها أنها خارمة للمروءة ومدعاة للشبهة.. ولا يخفى علينا، ما قد يسببه هذا الحبس من أضرار على أجهزة صرفنا، وعلى ذواتنا، ولكن للضرورة أحكام..

La lutte [idéo]logique dans les pays colonisés

Depuis la nuit des temps, des peuples et des nations ont été colonisés, et certains, le sont toujours. Et pour arriver à ses fins, le colonisateur use de différents moyens.
Au départ, le colonisateur a comme seul outil pour la réalisation de sa conquête : la force ; puis, la lutte idéologique dont la principale arme est la déculturation.
Chaque peuple est doté de repères, de racines religieuses et culturelles qui sont incarnés de différentes façons. Ces repères sont incarnés dans des sages, dans des savants, ou dans des intellectuels. Ceci est appelé par Malek Benabi  « l’idée incarnée », et quand elle est acceptée et adoptée par la conscience du peuple, elle est dite « idée pure ».
La réalisation de la colonisation d’un peuple, n’est en fait, qu’un simple acte de déculturation, ou de déracinement. Car il s’agit de remplacer l’« idée incarnée » original, par une autre conçu par le colon, dont l’objectif est de réaliser de nouvelles « idées pures » adéquates à l’objectif du conquérant.
C’est ainsi que les peuples colonisés sont à toujours soumis au colon, même si ce dernier leur donne une « pseudo-indépendance ». Car les racines du colon sont implantés à jamais dans les terres du peuple colonisé jusqu’à ce que ce dernier décidera de «.. Cesser d’être colonisable ».

صندوق البريد

في حي من أحياء وهران، وهو الحي الذي أقيم فيه طبعا، طالت يد السراق شيئا لم أسمع أنه سرق من قبل! إنه صناديق البريد لجميع سكان العمارة! أي والله.. لقد سرقت منا صناديق بريدنا وهي ليست إلا علب خشبية (وخشبها من النوع الرديء أيضا)، ولست أدري حقيقة من ولماذا سرقها؟

فإذا كان السارق يريد أن يثبت هته الصناديق في عمارته، فليتني أستوعب كيف بالإنسان أن يكون حضاريا لدرجة تثبيت صناديق بريد لتلقي الرسائل –التي هي وسيلة اتصال حضارية– ثم يقدم على هذا الفعل الذي أصفه بأنه لا يرقى إلى درجة الجريمة.. لأن الجريمة لها دافع قادر على تحويل النفس البشرية من الخير إلى الشر، إنما هذا الفعل هو مجرد نزوة طفولية للتملك لا غير! أو هو في أحسن الحالات رد فعل لغيرة من لمتلاك بعض الناس لعناوين.. في وقت قل من يمتلك عنوانا في هذا الزمن..
فمن نلوم على هذا الفعل؟ هل هو اللص الظريف الذي سرق علبا خشبية لا يكفي ثمنها عناء ومشقة الحصول عليها؟ أم العقلية المريضة التي صارت تطبع أطفالنا وشبابنا الذين يعبرون عن غيرتهم وعن إحباطهم وعن قصور يدهم بالعنف والسرقة والإتلاف؟

في ضيافة السيدة الإفريقية

قادني الفضول عند زيارتي للعاصمة إلى زيارة كاتدرائيتها المعروفة بالسيدة الإفريقية "Notre dame d’afrique". وبغض النظر عن طريقها المتعرج المشقوق على هاوية الجبل، علقت بذهني خواطر جعلتني أعقد مقارنة بين هذا المعبد، وبين جوامعنا التي نتسابق للأسف في بنائها، والصلاة في مواسمها، ولكننا نتقاعس دوما عن عمرانها!
أول ما يشدك عندما تقترب من الكنيسة هدوء حيها، وخلو محيطها من الأسواق الفوضوية الضوضائية التي ملأت محيط جوامعنا حتى أنك لتسمع الكلام النابي من القول وأنت في صلاة الجماعة.
وعندما تقترب بسيارتك، يمكنك أن تدخلها إلى فناء الكنيسة، وتركنها في الظل الظليل، وتزور ماشئت وكيف شئت، ثم تستقلها وتغادر دون أن يعترض طريقك لص برتبة حارس، بعصا موجهة إليك أكثر من توجيهها إلى اللصوص، ليطلب منك أتاوة على تركك السيارة في جوار بيت الله!
أما عند دخولك إلى الكنيسة، فإنك تلحظ في المكان تفاصيل وأثاثا أكثر من تفاصيل جوامعنا، ومع هذا، ترى النظافة تشع من كل مكان، عكس زرابيينا التي ملأت أدرانا، حتى أنك لترى من يقلم أظافره في بيت الله؟!
وترى في الكنيسة مكاتب ومكتبة، عليها أناس ظراف لطاف، لا ينهرونك ولا يرفعون أصواتهم كالبهائم، بل يهمسون ويشيرون ويبتسمون ما أمكنهم ذلك، يشدونك إليهم وإلى دينهم، وإلى عقائدهم..
ويطول الوصف، وتطول المقارنة.. وإذا ما زرت المكان حقا، وتمعنت في هذه المقارنات، عرفت لماذا انحسر المد الإسلامي، ولماذا توقفت الفتوحات إلا عن أجنبي أو أجنبية في هذا المسجد أو ذاك، يعلن إسلامه، ليتزوج ببناتنا، ثم يطلق المساجد إلى غير رجعة..
عرفت أن المد الإسلامي لم يتوقف لأن جيوشنا أصبحت أضعف من حماية أرض الإسلام ناهيك عن فتح بلاد أخرى! بل لأننا أصبحنا أبعد ما نكون عن هدي الإسلام وتعاليمه حتى في دور عبادتنا، في حين أننا نرى على أرضنا كنائس هي أقرب إلى المساجد كما عليه أن تكون، فكيف بغيرنا يتبع هدانا، ونحن إلى الضلالة أقرب؟

الطريق السيار

الطريق السيار نعمة من الله بها علينا في بلدنا هذا، فهو سبيل يطوي المسافات بين الشرق والغرب بعد أن كنا نتكبد عناء السبل الملتوية والأحادية مع ما فيه من المشقة والأخطار.
ولست ممن يستخدمون هذا الطريق يوميا، ولكن القدر قضى أن أمر به عشرات المرات ذهابا وإيابا، وأستعمل بعضا من مرافقه التي لم تكتمل للأسف. فوقفت بذلك على بعض الصور والمواقف التي جعلتني أفكر مليا في حال مجتمعنا، وما وصلنا إليه في تصرفاتنا، وفي تعاملنا مع مرافقنا، ومع بعضنا البعض، بل ومع أنفسنا.
إن هذا الطريق كباقي مرافقنا المدنية، من أسواق، وإدارات، ومساحات التسلية، وشواطئ، لا بد وأن تعكس مستوى الوعي والإدراك للعيش المشترك، والمعاملة. ونحن للأسف نلحظ انحطاطا رهيبا، وتدميرا مخيفا لقيم التواصل فيما بيننا، والتواصل المباشر وغير المباشر عبر استخدام المرافق العمومية.
ولإن كانت المرافق المهترئة والعتيقة من مراحيض عمومية، ومواقع أثرية مهجورة، قد أهملت فخرجت من إطار الاستخدام والاستعمال، فما بال المرافق التي لم يمض على افتتاحها إلا أياما معدودة قد صارت حطاما وركاما؟
ونحن للأسف نحيل الخطأ دائما، وبعفوية ساذجة أو متساذجة، إلى عامل النظافة، أو عامل الصيانة، أو المدير، أو الوزير، أو الرئيس.. وهذا جزء من الحقيقة، ولكنه جزء ضئيل، ناقص، مشوه. فيكفيك أن تقف على الأطلال لسويعات أو لدقائق لتلحظ مدى التدمير الذاتي الذي نمارسه على أملاكنا العامة، وبغل وحقد يجعل الحليم حيران.
ويراودني دائما سؤال أبدي، هل يجب على العقاب أن يكون أقسى وأشد حتى، أم أن المشكلة مشكلة أخلاق وتربية، وإن كان كذلك، فمن الذي يربي؟ هل هو الأب والأخ الأكبر الذي يحتاج أصلا لمن يقوم سلوكه؟ وإن كان هذا البالغ غير أهل لذلك، فمن يتولى ذلك في زمن فقد الناس ثقتهم في المدرسة، والمسجد، والإعلام، وفي كل شيء...
ولو أن ما لحظته في هته المرافق كان سلوكا عابرا، أو طرفة منفردة، لما تجرأت على الكتابة عنها بهذه الطريقة، ولكنه كان سلوكا منهجيا جماعيا، متكررا في كل محطة وفي كل حين.. يتبع.