إلى أين نحن ذاهبون

لست أدري ماذا حل بنا وكيف وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه.. فمن عاشر قومي يخال أننا لا ننخدع ولا نباع ولا نشترى، فكلنا يفتي في كل شيئ من كرة القدم واللباس والموسيقى إلى السياسة والحرب والسلم. ولك أن تتحقق من كل هذا عند أول مقهى أو محل حلاقة أو سيارة أجرة، فلن يترك لك أحد مجالا للكلام! فنظريات المؤامرة وخبايا الحرب الخفية والمنظمات السرية كلها مشاع في مشاع ونحن أذكى الناس وأدهاهم وأقفزهم وأحلبهم وأمرقهم!
ومع هذا الوعي والفكر والفلسفة يخضع هذا الشعب المتبحر في كل العلوم والفنون لكل دجال وأفاك وأفاق..
فلك أن تأتينا بين عشية وضحاها بوصفة سحرية لعلاج السكري وسنصدقك ونثني عليك، ثم تقول لنا هو فقط مكمل غدائي ونقول لك صدقت.. ثم تقول أنك درست في أوروبا، فنهلل ونصفق لك.. ثم تقول لم أدرس في أوروبا بل ولم أدرس أبدا ونقول وماذا بعد؟
ولك أن تفتح عيادة فخمة ضخمة بالألوان والحلويات وموسيقى الراي وتستدعي يوم الافتتاح وجوها كنا نظنها من الأخيار، لتقول تعالوا لأعالجكم وأشفيكم وأقيكم وأحصنكم.. أعالجكم من ماذا؟ وبماذا؟ أعالجكم من السحر ومس الجن وإصابة العين ورش الماء فنقول لك بارك الله فيك.. وتقول ادفعوا الملايين لشربة ماء بصقت فيها، أو خلطة لست أدري ما فيها فنقول بوركت وحييت وخذ أموالنا بدعواتنا..
والأدهى والأمر أننا عندما نغادر عيادة الطبيب الحق، ندعوا عليه بالفقر والمرض والمصائب.. ونستكثر عليه جزءا من مائة جزء مما ندفع لأولئك الدجالين والأفاكين.. لست أدري هل أدعو على قومي وأنا منهم أم أصدقهم وأسير معهم إلى الهاوية والهواء..

الأزمة المالية

نتكلم كثيرا عن الأزمة المالية، وفراغ الخزينة، والاقتطاع من الراتب، والتقشف.. ويتصاعد الحديث عن ذلك أكثر وأكثر..
في حينا قادم جديد.. صغير السن.. اشترى منزلا بالملايير، هدمه بملايير.. وبدأ في بناءه بملايير.. والمهنة تاجر! ليس رجل أعمال أو سمسار أسواق مالية.. تاجر صاحب محل..
حدثني صديق لي أن في حييهم تاجرين جديدين شبيهين بتاجرنا، وواحد بطال عاطل عن العمل شبيه بتاجرنا أيضا!؟
عند القصاب ينفذ اللحم فور قدومه، والفواكه على غلائها لا تكسد، ولم أسمع بأحد يقول لن أشترى أضحية هذا العام..
في الوراقات تنفذ الأدوات المدرسية المستوردة الغالية قبل المحلية الرخيصة..
وأعرف موظفا كان يستدين للأدوات المدرسية ولكسوة العيد وللحم العيد.. كان يستدين قبل الأزمة، وهو يستدين الآن.. وسيظل يستدين ما دام موظفا!
هناك أزمة في البلد وغلاء.. عن أي بلد نتحدث وعن أي غلاء؟

ترشيد الوقت

وقت الانسان محدود، وهو مورد هام وحيوي لأي مشروع. وإذا كان اهتمامنا منصب دوما على توفير المال والأشخاص والعتاد لنجاح مشاريعنا، فإن الوقت هو أول مورد ينبغي توفيره قبل كل هذا.ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو أن الوقت مورد ثابت مشترك لكل المخلوقات، فلماذا نفكر فيه ونقيم له وزن وكيف نوفره وهو متاح ويجري علينا شئنا أم أبينا.
والحقيقة غير ذلك تماما! فالوقت الجاري علينا ليس واحدا، ويكفينا في ذلك مثال بسيط: عاملان في مصنع يشتغلان لساعة واحدة من الزمن، واحد يشتغل على آلة لتركيب منتوج يركبه العامل الثاني يدويا.. النتيجة أن العامل الأول ركب عشر قطع فيما ركب الأول قطعتين فقط.. لنعكس الآية.. العامل الأول استهلك ست دقائق لتركيب الوحدة، فيما استهلك الثاني نصف ساعة لتركيب نفس القطعة.. وهذا هو توفير الوقت وترشيد استهلاكه.. استهلك العامل ست دقائق ووفر الباقي لتركيب قطع أخرى أو القيام بعمل آخر.. وهنا نقول أن العامل الأول يمتلك وقتا أكثر من الثاني.. فالوقت ليس نفسه عند الجميع!

التكيف

أخبرني أحد علماء الإجتماع أن المجتمع لا يوصف بالقبح أو الحسن.. بل هو مجموعة تتكيف مع الظروف مهما كانت من أجل الوصول إلى الاستقرار..
وعندما فكرت مليا أدركت صدق ما قال.. وأكثر من ذلك.. الفرد كذلك يتكبف مع الظروف مهما كانت.. فعندما تنقطع الكهرباء، تثور وتذعر وتتصل بالشركة وتخرج للشارع وتتجمهر مع الجيران.. ثم عندما تنقطع ثانية وثالثة ورابعة.. تندس تحت البطانية الدافئة وتنام.. أنت إذن تتكيف!
وعندما تنقطع الأنترنيت مع الهاتف، تهرع للوكالة وتشتكي وتخاصم المدير وتردخ الباب، ثم عندما تنقطع ثانية وخامسة وعاشرة.. تدرك أنها سلعة كمالية.. وتشغل التلفاز.. أنت إذن تتكيف!
وعندما ينقطع الماء تشتكي وتقتصد في الماء وتتوعد، ثم عندما ينقطع الماء رابعة وسادسة.. تشتري خزانين كبيرين وتحفر تحت الأساسات صهريجا.. أنت إذن تتكيف!
وعندما يطلب منك الموظف شهادة الحياة وأنت أمامه حي يرزق، تشتكيه إلى رئيسه، وعندما يجيبك رئيسه بأنه لا يضمن أنك هو أنت وأنك أنت الذي هو حي!؟ تذهب لاحضار شهود ببضع دنانير للشهادة على أنك حي.. أنت إذن تتكيف!
وعندما........... أنت إذن تتكيف!

الجمعة والمسجد

الصلاة صلة بين العبد وربه.. والجمعة جماعة جامعة للمسلمين لتدارس أحوالهم ووعظهم وإرشادهم.. هكذا تعلمنا، وهكذا كنا نعتقد..
يتأنق الناس ويلبسون أجمل الثياب -في نظرهم- ويضعون مسكا، ويتوجهون للجامع لصلاة الجمعة..
أحدهم يلبس الأبيض في الأبيض.. سروال رياضي أبيض، فوقه جبة خليجية قصيرة بيضاء، وعلى الرأس عمامة بيضاء، وفي الأقدام نعل نسائي أبيض..؟! هي خلطة عجيبة لا يرتديها إلا لملاقاة ربه! وقد رأيته قبل يومين مع صاحبته وهو في حلة أجمل من نجوم السينما..
الناس يأتون في سكون وطمأنينة، ولكنهم عابسون.. فالعبوس عندهم من الإيمان.. لا يتكلمون إلا مع من يعرفون.. وعند انقضاء الصلاة، سمعت أحدهم وهو عند باب المسجد يكيل الكلام القبيح ويسب الدين لأن بائع البطاطا اقترب كثيرا من باب المسجد فعرقل خروج التُقاة النُقاة؟! احذر جيدا يا هذا.. فنحن نسب دين من لم يحترم ديننا! وكأننا على دين واحد!
رأيت في الجمعة ترابا وعَفَنا في فراش المسجد.. والإمام يعظ ويتكلم عن النظافة.. وسمعته ينهى شبابا عن خدمة المسجد لأنهم لم يحصلوا على التصريح؟! احذر جيدا يا هذا.. فقداسة النجاسة من قداسة المسجد.. وهي لا تُرفَعُ إلا بفتوى وتصريح..؟!
للمسجد أبواب، لكنها لا تفتح كلها رغم كثرة الزحام، فلماذا؟.. ربما لأن التدافع التلاحم التلاصق من الإيمان.. أو ربما لأن جرد المصلين يصعب عند تفرقهم على الأبواب.. أو ربما وهو الأرجح.. لأن المفتاح مفقود..
هذه جمعتنا.. فريضتنا التي لا تضيع.. مادمنا احياء..

اضطرابات جوية.. وماء الحنفية

ماء الحنفية.. واضطراب الأجواء
تتحدث الأنباء الجوية عن اضطراب قادم يوم الجمعة والسبت، سيكون محملا بالأمطار والثلوج والبرد.. كمثل الاضطراب الذي لم يحدث هذا الأسبوع والذي لم يكن محملا أيضا بالأمطار والثلوج..
يُذَكِّرني هذا بالأسبوع الفارط أيضا، حيث لم يأت اضطراب جوي كان غير محمل أيضا بالأمطار، وبانخفاض شديد في درجة الحرارة بلغت العشرين أو أكثر..
هي نشريات خاصة للأحوال الجوية تتحدث عن اضطرابات.. تحتقن الأجواء، تتلبد الغيوم، فنرتدي المعاطف ونشهر المظلات والَمَطَريات، ونلبس الصوف والقطن والجلود.. وعندها تصفو الأجواء وترتفع الحرارة وكأن الغيوم كانت سرابا..
صلى بعض الناس صلاة الاستسقاء، وعند كل نشرية للأحوال الجوية نتحدث عن صلاة استسقاء.. يصليها إمام الحي وطائفة ممن معه.. ويتكلم في الجمعة الموالية عن الجذب والقحط والجفاف، وكيف أننا سبب كل ذلك؟!
ننصرف كلنا إلى ديارنا، وننسى أننا في حاجة للمطر.. وهل نحن حقا في حاجة للمطر؟ فلَيس ماؤنا من البئر والوادي حتى نخشى غَورَهُ إذا جفت السماء.. فمادام ماء الحنفية موجود.. فلن نحس بقيمة ماء السماء..
وعند الثامنة والنصف، نتابع النشرة الجوية وما فيها من اضطراب قادم، ويتكلم المذيع ثانية عن الجفاف.. فنستعد للأمطار.. ثم لا تأتي.. ثم نصلي الاستسقاء.. ثم نتذكر أننا أسباب الجفاف..
ثم نفتح الحنفية..

هناك زيادات..!

يتكلم الجميع عن زيادات في الأسعار، في  السلع، في السيارات، في المأكولات، في النقل.. والجميع يتأفف، والجميع يسخط، والجميع يدفع..
الزيادات لم تكن يوما مرتبطة بالعام الجديد، أو بالميزانية أو حتى بالتقشف.. زد على ذلك أن زيادة القانون كانت دنانير.. وزيادة الشعب على الشعب كانت قناطير.. فكيف نفسر زيادة في تسعيرة نقل بمائة دينار، تجعل دخل السائق يزيد بسبعمائة دينار، مقابل زيادة في تكلفة مازوته لا تتعدى المائة دينار!
الزيادات أصبحت عرضا من أعراض جشعنا على بعضنا قبل أن تكون تدبيرا من تدابير الاقتصاد.. فزيادات العام الماضي كانت أضخم، لكننا لم نحس بها.. لأنها زيادات الشعب على الشعب..
الزيادات ينبغي أن تكون آخر همومنا.. فنحن شعب يقترض لشراء أضحية ننسبها للعيد مع أن الشرع لم يكلفنا بها، ويقترض لشراء شاشة ثلاثية الأبعاد مع أن الشاشة المنتفخة من الخلف تكفي للمشاهدة والبحلقة.. ونحن شعب يحرق الملايير في الألعاب النارية في ليلة واحدة ننسبها للنبي والنبي منها براء، ونحن شعب يرمي كل يوم آلاف الأرغفة في المزابل لأننا لا نأكل الصابح؟! وبعد كل هذا ندعي الفقر ونشتكي من الزيادات..
لست من المدافعين عن الزيادات، ولا من المتحاملين على الشعب، لكن الزيادة لن تؤثر على من ذكرت -وهو من يشتكي- بل ستؤثر على الفقير المطحون الذي لا يشتكي لأنه المطحون الفقير منذ زمن طويل.. زمن لم تكن الزيادات قد بدأت بعد..

قتيلان وجرحى ومعتقلون..

العام الجديد..
حل علينا رأس السنة الجديدة هذا العام في مدينتنا.. ونحن المسلمون الموحدون بهدوء وسكينة وطمأنينة وراحة نفسية وحسية عالية ورفيعة جدا جدا..
اللهم إلا بعض الألعاب البسيطة هنا وهناك، وبعض الجلسات الطيبة الحميمة بين الأصحاب والأصدقاء من أهل الثقافة والفن والأدب..
ولم تؤدي هذه الألعاب والجلسات لشيئ يذكر عدا وفاة شخصين أكثرا من شرب العصير، فأصيبا بالإسهال، مما أدى إلى انقلاب سيارتيهما متأثرتين بالرائحة.. ووفاة زوج في فندق على الثانية صباحا بعد جلسة ذكر وتهليل.. واعتقال عشرات من الصبية خلطوا بين حلويات العيد فلم يفرقوا بينها وبين الأقراص والسجائر والحقن.. وجرح العشرات في شجارات خفيفة بالسيوف والخناجر والسكاكين والمعالق من أجل تقاسم المشروب..
هي احداث بسيطة ولا تكاد تذكر احتفالا بالعام الجديد.. ولست أدري لماذا نحتفل به؟ وكأن لون الأيام سيختلف أو طعمها أو شكلها.. أم أننا نحتفل بالزيادات في الوقود والكهرباء.. ومن بعدها السلع والنقل والتعليم والطب..
كل عام ونحن على هبل وخبل..