التطبب في 2015

لطالما اعتقدت أن مجتمعنا تطور لحد أصبح يميز بين المعالج الطبيب الحقيقي والأفاق اللص الذي يسرق أموال الناس السذج، خاصة وأن المجتمع أصبح مليئا بالمتحاذقين والـ"القافزين" الذين لا يغيب عليهم شيء ولا تُغَيِّبها لهم في شيء.. لكن الصورة المرفقة بالمشاركة أثبتت لي العكس تماما.. وهو أننا لازلنا مغفلين ونومن بالغول والعنقاء والخل الوفي!
هذه الصورة لمعالج في حي من أحياء كبرى مدن الجزائر وقد تجرأ على تعليق لوحة بقائمة خدماته العلاجية بتنظيم زمني وهاتف لأخذ المواعيد وكأنه طبيب أو جراح؟
واللافت للأمر أن الناس متهافتون عليه يدفعون الأموال ويعتقدون بالشفاء والدواء..
فإذا كانت منظومتنا الطبية فاشلة ومتعفنة ومستشفياتنا صالات للموت وانتظار الموت.. أليس الحري بنا إصلاحها والعمل على تقويمها بدل اللجوء للمشعوذين والأفاقين نصرف عليهم أموالنا لكي يسممونا و"يرهجونا"؟!

السياقة فن، متعة، وثقافة

ركبت سيارتي متوجها من المنزل إلى العمل الذي لا يبعد عن العمل إلا بضع كيلومترات، وكان من المفروض أن أصل بعد خمس أو عشر دقائق.. إلا أن المشوار لم ولا ولن يتم في وقته، لأنه وأثناء سيري لابد من تخطي عدة مراحل كي أصل إلى النهاية..
يبدأ السباق بتخطي أفواج المشاة بأقل قدر من الخسائر إن أمكن، ذلك أن أغلبهم يسير على جادة الطريق لانعدام الأرصفة أو عدم صلاحيتها، أو شغلها بعمال المياه أو الكهرباء أو الغاز أو الصرف الصحي أو قبضايات وبلطجية الحي أو غيرهم ممن نعرف أو لا نعرف.. ولابد من تجنب الاحتكاكات والمزامير قدر الإمكان، لأنها تزيد من توترات المشاة، وهو أمر غير محمود، ويجب أيضا عدم الانتباه لبعض السباب أو الشتم أو الكلمات الجارحة الكاسرة من حين لآخر، ولذوي القلوب الضعيفة يستحسن غلق جميع النوافذ وتشغيل المذياع أو المسجلة..
مرحلة أخرى من مراحل السباق تكمن في تجنب المطبات والعوائق الأرضية، الجانبية، والعلوية.. فهناك حفر وحواجز إسفلتية وترابية وإسمنتية.. وهناك مشاة يقفزون يمينا ويسارا.. وهناك سيارات لأشخاص مهمين جدا جدا لا يمكنهم الانتظار أو التوقف تجدهم يَنِطُّونَ ذات اليمين وذات الشمال، وربما جاؤوك من الأمام.. عندها على أحدكما الطيران لتجاوز الآخر..
السياقة فن متعة وثقافة
ومن مقَبِّلات السباق أيضا، رجال من الشرطة أوالدرك يتربصون بك الدوائر، فإن سِرتَ بِبُطءٍ أبطأت الرَّكب وتلقيت السُباب و الشتم مَمَّن خلفك، وإن سرت بسرعة أوقفوك لمخالفة القانون وتجاوز السرعة المحددة.. وطبعا لن توقف وحدك، بل سيقف معك الجميع.. ولكن؟! عند اللجنة لن تجد لهم أثرا، وستجد نفسك وحدك، لأن منهم من يعرف الشُرطي، ومنهم من يعرف الدركي، ومنهم من يعرف موظف الدائرة، ومنهم من يعرف موظف البلدية، ومنهم من يعرف الثمن، ومنهم من يعرف السياقة بدون رخصة..
لهذه الأسباب يصبح كل خروج لي بالسيارة مغامرة ولا مغامرات السندباد.. تعرف مَبدَأها ولن تعرف أبدا على أي جزيرة ستَحُطُّ بك؟!

فراق الأحبة محمد وصحبه

رُوى عن أحد الصحابة رضوان اللله عليهم أن مما أبكاه رضي الله عنه.. فراق الأحبة محمد وصحبه.. ولقد استعدت بخاطري سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف انتقل من معاشرة أهل الجاهلية وهو من الجاهلية نافر، ثم نزول الوحي ليَتلقى من السماء أعظم رسالة للبشرية ليخرجها من الظلمات إلى النور، وهو في ذلك نكرة لدى أهل الأرض وقد غفلوا وتاهوا وعموا، وهو المستضعف في بطن مكة، وهي لا تزال قرية لا يكاد ملوك الأرض يعرفونها..
فسار بحِملِه هذا بين قوم هَمُّهُم قُوت يومهم، أو شهوة ساعتهم، أو على أحسن الأحوال بيت شعر يَمتدِحُهُم أو يَحُطُّهُم! فأخرجهم إلى الكون فاتحينَ ملوكًا وخلفاءَ، ونَشَرَ دين الله الحنيف في أعظم اتساع وأوسع امتداد عرفه تاريخ الإنسان وفي فترة وجيزة لا تكاد تقاس بها تواريخ الدول..
وهو على ذلك لم يُكَرِّس للحروب إلا بضعا من حياته، فكان جليساً للصحابة وذوي القربى حتى رَوَوا عنه الآثار الجَمَّة، وكان مؤنسا وأنيسا لأهل بيته حتى طلقوا الدنيا لأجله وكانوا له كما كان لهم بل وأقل، وكان قائما لأمته بالنصيحة حتى لا يكاد يفتقد أحدا إلا سأل عنه، ولا يكاد يرى عِوجا إلا أقامه بالحسنى واللين واليسر..
وهو فوق هذا وذاك حسن المظهر والملبس والمنطق والحال والمآل.. فكيف لقوم ألفهم وألفوه، وعاشروه وكلموه أن لا يفتقدوه، وأنى لهم إذا مضى عنهم أن تبقى لدنياهم لذة أو معنى؟
إنه الحبيب المصطفى، أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة، وتركنا على المنهاج القويم.. فرددنا له الجميل بتضييع ذلك كله، وابتداع المنكرات والترهات، ثم نسبناها له بهتانا وزورا! ونحن على ذلك ندعي محبته واتباعه؟
جاءت ذكرى المولد، وفرقعنا القنابل والعبوات، وأحرقنا معها أموالنا التي تعبنا في كسبها بالحلال والحرام.. وكل عام ونحن على سفه وهبل..

رأس السنة وذيلها

ينقضي عام آخر من حياتنا، نتذكر فيه ما عملنا وما لم نعمل، نتذكر عهودا قطعناها بإتمام أعمال، وإنجاز مشاريع، وتحقيق أشياء.. ثم نعود للواقع فنجدنا أخلف من عرقوب، عملنا أشياء أخرى، ولم نحقق من وعودنا شيئا!
نتذكر أحبابا فارقونا هذا العام، فنسيناهم ولم نعد نعرفهم، فمن مات لم نترحم عليه، ومن سافر لم نسأل عنه، ومن غيبه القدر في تصاريفه صرنا نتجنب حتى الحديث عنه..
نتذكر أوقاتا قضيناها مع الأحبة والصحب، نضحك ملء أفواهنا، ونتسامر دون حرج أو ريبة أو شك، ونحن اليوم نتجنب اللقاء لأن لا نُفهَم خطأً..
نتذكر أهلا لنا أشفقوا علينا ونصحونا، فبعناهم وبعنا النصيحة، وصرنا اليوم أحوج إليهم منا من حاجتهم إلينا، وقد باعونا ببيعنا لهم، وليس لنا إلى مرد من سبيل..
نتذكر غلولا في أعمالنا وأوقاتنا وأموالنا، وقد استرقناه من طلابنا وتلامذتنا وزبائننا ومحبينا ومريدينا، وقد مر الوقت وربما دعا أحدهم علينا، أو مات وهو يطلب القصاص منا..
ونتذكر أشياء أخرى وأخرى مرت علينا هذه السنة، وقد منحنا الله سنة أخرى لنكفر بها ونستبق حسرتنا وتفريطنا.. فلنترك الاحتفال والوعود، ولنغتنم أحبابنا قبل فراقهم، ولنشفق عليهم قبل غيابهم، ولنُؤَدِّ واجباتنا على أكملها قبل أن لا عفوَ إلا بالقصاص..
مرَّ عام نحن عليه في حسرة وإن لم نشعر..
كل عام وأنتم بخير!