اللهم بلغنا رمضان

وتهلّ علينا نسائم الشّهر الفضيل.. وهذا العام كسابقه، يأتينا شهر الله في ظلّ الجائحة التي نسأل الله أن يرفعها..
نستقبل عطر هذا الشّهر الكريم ونأبى إلّا أن نُشيح بوجوهنا عن الحقيقة والشّريعة معا.. ونغوص في دنيا الأشياء.. فنملأ الأسواق بحثا عن الأواني والأطباق والكيكوطات.. ونتزاحم على القصّابات بحثا عن الخراف والدجاج لنملأ البطون في شهر الصّيام..
نستعدّ لشهر الصّيام الذي ننقطع فيه عن الأكل.. بادّخار الأكل نيئا ومطبوخا ومجفّفا ومجمّدا.. نستعد للجوع بأكياس الدّقيق والأرز وعبوات الزيت.. نستعد لننفق على الأكل في شهر الصّيام أضعاف ما ننفقه في شهور الطّعام..
وحتّى عندما نتحدّث عن العبادات والطّاعات في شهر الله.. فإنّنا نبحث عن الصّوت الجميل والمسجد المُكيّف والفراش الوثير حتّى تكون التّراويح راحة ورواحا.. ونتفنّن في تصوير قفّة رمضان وأصحاب قفّة رمضان والمسكين المغلوب على أمره وهو يتسلّم قفّة رمضان؟!
مالكم كيف تحكمون؟.. أوليس منّا رجل رشيد؟.. أليس منّا رجل يصل الطّاعات من شعبان إلى رمضان دون ضجيج ولا عويل.. أليس منّا من يقوم على كفاية المساكين بعيدا عن الشّاشات والصّفحات.. أليس منّا من يقتصد في أكل الشّهر فيربح صحّته وماله وعافيته وراحة باله.. أليس منّا من يخلو بنفسه في رمضان فيعبد الله عبادة تكون أقرب للصّيام في الإخلاص، فيلقى الله بها وهي له، فهو يجزيه بها..
أليس منّا في رمضان من يأكل أكل غير رمضان في أطباق غير رمضان.. أو يقتصر على بعض أكل غير رمضان ويملأ فاضل وقته في ذكر أو دعاء أو صدقة أو علم أو نسك..
أليس منّا من يعيش رمضان لربّ رمضان؟

للوقاحة عنوان..

إنّ من الابتلاءات التي تُكتب على العباد عبادٌ أمثالهم.. يحسبون أنّ العباد عبادُهم وليسوا عبادَ الله.. خُلقوا ليخدموهم.. تراهم كسالى يراؤون النّاس ولا يشتغلون إلاّ بإبداء الآراء ونقد الأفعال والأقوال والتّصدّر للقيادة والزّعامة ووجاهة المجالس.. وفي ميدان الجهد والكدّ والبذل، فهم خُشُب مسنّدة ولا تكاد تسمع لأحد منهم ركزا..
وهؤلاء البلاوي (من البلوى!) تراهم يسارعون عند الزّلل إلى دفع الزّلل لا بالإصلاح والتّقويم، بل بِرَدِّ المسؤولية على الآخرين واتهام الكلّ عداهم وحبّذا لو كان العامل المجتهد النّشيط؟!.. فهم العُمّال وغيرهم عُطّال.. وهم الرُّشداء وغيرهم الأغِرَّاء.. وهم المظلومون من النّاس وغيرهم الظّلمة الفجرة الكفرة..
إذا ابتلاك الله بأحد من هؤلاء في أهلك أو شغلك أو جيرتك.. فاعلم أنّه تبارك وتعالى قد امتحنك في الدّنيا.. وهو من عظيم البلوى والعياذ بالله.. وعليك بالفرار بدينك ودنياك منه.. لأنّك إذا لم تتخلّص من صُحبته، فلا أمان لك من الفتنة.. فتركه مفسدة، والسّكوت عنه إدانة،  وجوابه منقصة، ومقارعته دناءة وقلة مروءة.. فلن تسلم منه وأنت في جواره أبدا..
ذلك أنّ شعاره في هذه الدنيا.. أنّه للوقاحة عنوان.. 

الموت.. بين الانتظار والعمل ؟

 هذه رسالة بسيطة لمن ينتظر الموت، سواء كان بمظنّة قريبة كحال مريض نسأل الله له الشّفاء العاجل أو المحكوم مثلا.. أو من ابتلي بوسواس وخواطر من الشّيطان تنغّص عليه حياته ومعيشته ونسأل الله له الرّاحة والسّكينة وطمأنينة الرّوح والقلب في الطّاعة والعمل الصّالح..

إنّ انتظار الموت لا يغني من القدر شيئا.. فالموت نافذ عندما يحين الأجل إن الآن أو غدا أو بعد بضع سنين.. فالتّفكير فيه وانتظاره لا يطوي الزّمن ولا يُوقفه.. وكما قال المحقّقون "تصوّرنا لا يغيّر حقائق الأشياء".. وفقهاؤنا ينهوننا دوما عن الانشغال بما لا ينبني عليه عمل ولا نتيجة لإنّه من اللّهو المذموم..

فكّر في الموت بسطحيّة أو بعمق..!! اقض لياليك وأيّامك في تصوّر موتك وتَخَيُّلِ هلاكك والتّبحّر في كيفه وحينه وما بعده وما قبله.. هل سيغيّر ذلك من واقع الأمر شيء؟ هل ستدفعه حين يأتي أو تستعجله قبل أوانه ؟ أقولها لك وبدون تردّد.. لن يغيّر التّفكير في الموت من الموت شيئا.. لكنّه سيغير أشياءا أخرى أهمّ وأعظم..!

هذا التّفكير سيأكل عمرك ويحطّم أيّامك ويجعل حياتك في هذه الدّنيا جحيما.. ويعرّضك للمساءلة يوم القيامة على نعمة الوقت الّتي أفنيتها في غير منفعة ولا فائدة.. لن تدفع الموت ولن تستعجله، لكنّك ستكون بحكم الميّت وأنت بين الأحياء.. وستجعل فضاءك في هذه الدّنيا فارغا وأنت تشغله.. سترى النّاس من حولك يعملون ويعمرون هذه الدّنيا وأنت عالة عليهم وعليها.. سترى عمرك ينفلت من بين يديك وأنت لم تقدّم لك أو لغيرك شيئا فتزداد حسرة وأسى.. ولن تغيّر من الأمر شيئا..

لا تنتظر الموت.. بل اعمل لما بعده وأطع ربّك وأصلح دنياك وآخرتك.. انهض من غفلتك ومنامك.. فالنّاس نيام وإذا ماتوا استيقظوا.. فاستيقظ من الآن، ليس بالموت ولكن بالعمل لما بعده..

ولا تُسَوِّف فالوقت لا يتوقّف عند أحد..