من دروس الفضائيات.. النعومة والخشونة

شد انتباهي فاصل إعلاني على قناة عربية فضائية عريقة. القناة معروفة بتنوعها الظاهر، وتركيزها على برامج الموضة والمسلسلات المدبلجة بكل جنسياتها. الفاصل الإعلاني يحوي إشهارين: يتعلق الأول بنعومة الأطفال التي يمنحها مستحضر تجميل للشابات الغانيات الفاتنات –أو هكذا فهمت من صور العارضات في الإعلان!– والثاني عن نعومة شوكولاتة راقية.. عفوا! لذة شوكولاتة راقية.. لحد الآن الأمر طبيعي. ولكن المفارقة تكمن في أن هذا الفاصل لم يتخلل مسلسلا تركيا أو برنامج نسائيا ناعما، وإنما ورد في منتصف حلقة حوارية ساخنة جدا عن الوضع في سوريا مع كل ما فيه من قتلى وأخبار التعذيب والقمع والمزايدة والمؤامرة وسب وشتم بين المتحاورين و.. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ليس عن الوضع في سوريا طبعا، وإنما عن نوع الإشهار في حلقة حوارية كهذه، هو هل تطور مجتمعنا العربي بهذه السرعة المذهلة بحيث أصبحت الشريحة المستهدفة من هذه البرامج السياسية هي ربات البشرات الناعمة والأصابع التي لا تمسك إلا بالشوكولاتة؟؟ أم هل تخنث المتابع العربي للسياسة –من كثرة الأخبار التي تمس بالشرف العربي والشهامة الإنسانية عموما– فصار من الباحثين عن البشرة الناعمة والشوكولاتة الطرية؟؟ هي افتراضات على سفهها لا ترد على هذا النوع من المزاوجة بين الحصة والإعلان. على أننا قد نجد تفسيرا منطقيا آخر لهذا الوضع إذا علمنا بأن تقديم البرنامج لم يوكل إلى مذيع من الطراز "الخشن" الذي يوحي لك بالخبر السيء قبل أن تسمعه.. وإنما كان من الجنس اللطيف الذي تستهويه أخبار النعومة ويوحي لك بالرقي واللباقة والتفاؤل أيضا! ويجعل المشاهد يميل دون أن يشعر إلى تلمس النعومة والطراوة أيضا بعيدا عن أخبار الشغب والعنف والقتل التي غطى عليها أصلا جمال المذيعة ومظهرها! فهنيئا لنا بقنواتنا وبرامجنا السياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق