ابتليت بزيارة مستشفى بالعاصمة اليوم. وكم كانت دهشتي لا توصف عندما غادرتها واسترجعت شريط الذكريات....
لقد وصلت المستشفى أول الأولين وهو قرية خاوية على عروشها، وتجولت في كل مصالحه الاستشفائية والطبية وشبه الطبية قبل أن أصل إلى المصلحة التي أريدها –وليس ذلك بغرض التجول طبعا، وإنما لأن الموظفين للأسف يتظاهرون بأنهم لا يعرفون المستشفى جيدا فيرسلونني بنظام محكم إلى موقع بعد الآخر- لأجد نفسي في الأخير قد تعرفت إلى كل العاملين المرغوب فيهم وغير المرغوبين.
وعند وصولي إلى ما أريد، وجدت قاعة الانتظار قد امتلأت عن آخرها، لأكون آخر الآخرين.. ثم تحولت بقدرة القادر عز وجل إلى أول الأولين مرة أخرى دون أن أفهم شيئا! ثم وبقدرة القادر دوما وأبدا وجدت نفسي -مع أنني أول الأولين- آخر من يدخل إلى الفحص عند الطبيب؟!
وبين الانتظار والدخول مررت والجمع الكريم بمراحل "المداصرة" النفسية كلها: الفحص المرئي، الفعل المرائي، الاشمئزاز، التعليق، ثم الكشف التام.
فأول القصيدة نظرات من الجميع إلى الجميع تتفحص الملابس والقوام والأحذية والساعات والخواتم والشعور وكل ما تصل إليه العين.. ثم يتبرع البعض ببعض الأفعال أو الأقوال من قبيل مهاتفة شخص لأتفه الأسباب، أو سؤال شخص ما عن موضوع لا علاقة له لا بالسائل ولا بالمسؤول، أو قرع للباب أو الكرسي، أو ما شايه ذلك.. عندها يعلق البعض الآخر على هذه الأفعال وغيرها من قبيل تأخر الطبيب، أو تأخر الدواء، أو تأخر الشفاء، أو التأخر العقلي.. لينطلق الجميع بعد ذلك في محادثات تكشف أسر الأسرار..
عندها أدركت، وبعد لملمة خيوط القضية أنني تعرفت على عمال المشفى، والمرضى والأطباء في أقل من نصف يوم بطريقة لا يمكن أن تكون عفوية أبدا.. وأدركت حينها أن "الدالة" أو "الانتظار" عندنا أقوى ألف مرة من الفايس بوك، وأنها قد تخطت شبكات التواصل الاجتماعي بمراحل ومراحل.. فمن قال أن التواصل الجتماعي مفقود في بلدنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق