نكاد نكون من أكثر الأمم أعيادا، فإضافة لأعيادنا من جمع وفطر وأضحى وعرفة وعاشوراء ومولد، تفننا في أعياد دنيوية لكل حدث وشاردة وواردة، فجعلنا لكل فاكهة عيدا ولكل مهنة عيدا، حتى أضحينا نحتفل أكثر مما نعمل.
وكأن هذا كله ليس بكاف، فرحنا نتتبع خطوات الشيطان، وننصب بأحيائنا طاولات لبيع الدباديب الحمر والورود الحمراء والأقراط الحمراء والقبعات الحمراء باسم عيد الحب!؟
وإن كان هؤلاء الشباب أصحاب الطاولات همهم الوحيد الكسب، وسينصبون الطاولات حتى لعيد الشيطان، لكنهم لم يكونوا ليتاجروا بهذه الأصنام لو لم يكن المجتمع مريضا وتافها لهذه الدرجة! إذ لست أفهم تبادل التهاني بعيد الحب هذا بين الشيب قبل الشباب والمراهقين، بل وبين المتحجبات أيضا؟! ولست أفهم كيف يحجز الأزواج الشرعيون وغير الشرعيين طاولات المطاعم والخمارات لهذا الاحتفال؟! ولست أفهم كيف يتقبل رب الأسرة دخول بناته عليه بالدببة الحمراء والورود الحمراء والأصنام الحمر.. بل وبالقبلات الحمراء؟!
لست أفهم هذا ونحن نشتكي من الفاقة والعوز وقلة ذات اليد وغلاء العدس واللوبياء والأرز.. ولو كنت مكان بائع هذه المواد لرفعت الأسعار أضعافا وأضعافا، لأن الذي ينفق ألف دينار على دمية حمراء واحدة لكل عشيقة من عشيقاته لا يمكن أن يدعي عدم القدرة على شراء كيس الفاصولياء بربع هذا الثمن..
لست أفهم هذا ونحن نعلق على سياراتنا "أتبع محمد"، ونخرج في مسيرات لنصرة النبي وندعوا لمقاطعة أعياد الكفار، وندعوا للعودة لتقاليدنا وعاداتنا..
لست أفهم هذا الإزدواج والفصام الذي نعاني منه، وهذا السبات العميق الذي نحن فيه ومياه الطوفان تجري من تحتنا وتجرفنا شيئا شيئا نحو الهاوية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق