الطريق السيار

الطريق السيار نعمة من الله بها علينا في بلدنا هذا، فهو سبيل يطوي المسافات بين الشرق والغرب بعد أن كنا نتكبد عناء السبل الملتوية والأحادية مع ما فيه من المشقة والأخطار.
ولست ممن يستخدمون هذا الطريق يوميا، ولكن القدر قضى أن أمر به عشرات المرات ذهابا وإيابا، وأستعمل بعضا من مرافقه التي لم تكتمل للأسف. فوقفت بذلك على بعض الصور والمواقف التي جعلتني أفكر مليا في حال مجتمعنا، وما وصلنا إليه في تصرفاتنا، وفي تعاملنا مع مرافقنا، ومع بعضنا البعض، بل ومع أنفسنا.
إن هذا الطريق كباقي مرافقنا المدنية، من أسواق، وإدارات، ومساحات التسلية، وشواطئ، لا بد وأن تعكس مستوى الوعي والإدراك للعيش المشترك، والمعاملة. ونحن للأسف نلحظ انحطاطا رهيبا، وتدميرا مخيفا لقيم التواصل فيما بيننا، والتواصل المباشر وغير المباشر عبر استخدام المرافق العمومية.
ولإن كانت المرافق المهترئة والعتيقة من مراحيض عمومية، ومواقع أثرية مهجورة، قد أهملت فخرجت من إطار الاستخدام والاستعمال، فما بال المرافق التي لم يمض على افتتاحها إلا أياما معدودة قد صارت حطاما وركاما؟
ونحن للأسف نحيل الخطأ دائما، وبعفوية ساذجة أو متساذجة، إلى عامل النظافة، أو عامل الصيانة، أو المدير، أو الوزير، أو الرئيس.. وهذا جزء من الحقيقة، ولكنه جزء ضئيل، ناقص، مشوه. فيكفيك أن تقف على الأطلال لسويعات أو لدقائق لتلحظ مدى التدمير الذاتي الذي نمارسه على أملاكنا العامة، وبغل وحقد يجعل الحليم حيران.
ويراودني دائما سؤال أبدي، هل يجب على العقاب أن يكون أقسى وأشد حتى، أم أن المشكلة مشكلة أخلاق وتربية، وإن كان كذلك، فمن الذي يربي؟ هل هو الأب والأخ الأكبر الذي يحتاج أصلا لمن يقوم سلوكه؟ وإن كان هذا البالغ غير أهل لذلك، فمن يتولى ذلك في زمن فقد الناس ثقتهم في المدرسة، والمسجد، والإعلام، وفي كل شيء...
ولو أن ما لحظته في هته المرافق كان سلوكا عابرا، أو طرفة منفردة، لما تجرأت على الكتابة عنها بهذه الطريقة، ولكنه كان سلوكا منهجيا جماعيا، متكررا في كل محطة وفي كل حين.. يتبع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق