دقائق قبل الإفطار تنعدم الحركة في الشوارع إلا من سائق متهور يسارع دقات الساعة إلى طاولة إفطاره، أو من متسكع هنا وهناك يحمل علبة من الشامية أو قارورة مشروب، وعدا ذلك، قلما نجد كائنا حيا في أزقتنا..
في هذه اللحظات أتمنى لو كان العام كله رمضان، ولو كان الوقت كله قبل الإفطار، إنه الهدوء الذي يجب أن يسود في مدننا في كل وقت، وفي كل يوم، إنه الهدوء الذي نشتاق إليه، والذي بات حلما بعيد المنال في أيامنا هته.
وما إن تمر دقائق بعد الإفطار، حتى تتحول الأحياء والشوارع إلى جحيم من الفوضى والضوضاء والضجيج، صراخ وصياح وعويل وأصوات لا تميز منها الخبيث من الطيب، إنه الهرج والمرج، أطفال يجرون على غير هدى، شباب يصرخون وينهاوشون.. ويخيل إليك حقا أن القيامة قامت، والناس في عذاب شديد!
ولكن الحقيقة أن الناس فقط يتسامرون ويمرحون!! إنه سمرنا وفرحنا ومرحنا.. ضوضاء في ضوضاء، وفوضى عارمة غير خلاقة.. أفراحنا صخب، وأحزاننا عويل وصخب.. عندما نغضب نصرخ، وعندما نحزن نصرخ، وعندما نفرح نصرخ.. وحتى عندما نندهش نصرخ.. التعبير الوحيد لنا على جميع حالاتنا ومشاعرنا وأيامنا ومواسمنا.. الفوضى والضوضاء!!
ألا يحق لنا أن تكون أحياؤنا هادئة ينعم فيها الساكن بالسكينة والراحة، والطمأنينة والهدوء، أم أنه قد كتب علينا أن نعيش وآذاننا ملوثة في كل حين بضجيج لا معنى له، ولا داعي له إلا كبت متوارث من سنين على صمت طبع على أرواحنا وعقولنا، لكنه لم يتسلل إلى أفواهنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق