أثارت أحداث استقبال وهران للأساقفة وتجديد كنيستهم بحر الأسابيع الماضية موجة من التّعليقات والأحاديث والنّقاشات.. بين فتاوى مبتورة من هنا وهناك.. وأقوال للعلماء وللعامّة وسباب وشتم.. وتصدّرت خطب الجمعة سردا لأقوال العلماء وفتاويهم عن تجديد الكنائس في ديار المسلمين وحكم دخول الكافر إلى المسجد وحكم دخول المسلم للكنيسة..
ولست هنا بصدد الإفتاء والتّنظير الفقهي.. فلست فقيها ولا مفتيا.. ولست هنا بصدد التجريح أو التّعرض للفقهاء وعلماء الأمّة فهم حماة الشّرع ومعالمنا إلى معرفة الحلال من الحرام.. إنّما أخوض في هذا الباب من باب شموليّ في محاولة لقراءة واقع الأمة وحالها البائس.. فإني أكاد أجزم أننا لو استفتينا الأئمة الأربعة مالك وأبا حنيفة والشافعي وأحمد عن هذه المسائل وعَلَّمناهُم بحالنا لكان جوابهم أن لعنة الله قد حقت علينا لِما ضيعنا من دين الله!
لقد أجاز الرّسول صلّى الله عليه وسلّم دخول الكفّار إلى مسجده.. ودخل هو دور اليهود والمشركين.. ودخل الصّحابة بعده وعلماء الأمّة من السّلف بِيعَ الكفّار ومعابدهم ولم يتطاول عليهم الغوغاء ولم ينكر عليهم أحد.. ليس لضحالة علمهم أو غزارته.. ولكن لتباين مقصودهم عن مقصودنا.. وفهمهم الصّحيح لرسالة الإسلام وقصورنا عن فهم حتى قول لا إله إلا الله!
لقد كان الدّافع للأوائل إيمانٌ راسخ بالله ودينه، وعزيمة على إعلاء كلمة الله ولو ببذل النّفس، وثقة في أن هذا هو الحقّ وأنّ الله ناصر عبده.. فلم يخشوا أبدا من دعوة الكفار لهم للنّقاش أو الجدال، ولم يستحوا يوما من أن يبدؤوا كلامهم بأن يقولوا "أسلموا تسلموا.." فكانت عندهم مسائل دخول الكفّار لمسجادهم ودخولهم لمعابد الكفّار وبناء الكنائس في أرضهم مسائل محسومة بالواقع لا بالافتراض.. لأنّ تمكن الإسلام من قلوب أولئك النّصارى واليهود كان مسألة وقت.. ومن عاند الحقّ منهم فإنّهم قلة مصيرهم إلى الزّمن إمّا يجاهروا بالحرب فيهلكون أنفسهم وإمّا ينصاعوا لحكم المسلمين فيأمنوا..
أما اليوم، فنحن قوم نستحيي بديننا وكأنّه عورة نخشى انكشافها.. ونرى في الكفر رِفعة وعلوا تجعلنا نخشى من رؤية الكافر في أرضنا خشية أن يفتننا عن ديننا.. ونرى في كل كنيسة منارة لتكفير أبناءنا وبناتنا..
ذلك أنّنا أضعنا تربية أبناءنا وشبابنا على الإسلام، ورضينا بالقسمة الحالية بيننا وبينهم.. لهم دينهم ولنا ديننا.. لا نرضى لهم منّا بأحد.. ولا ضير إن لم يأت منهم أحد!.. تخلّينا عن رساليّتنا في نشر الإسلام.. وعن الدّعوة لدين الحقّ.. ولو عندنا لهذا الرساليّة وهذه الدعوة لخشي الأساقفة أن يدخلوا ديارنا مخافة الإسلام وتركوا هم بناء الكنائس في أرضنا مخافة تحويلها إلى مساجد بسلطان الدعوة والعقل لا بسلطان القوة والقهر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق