الصبر

وبشر الصابرين
من المقارنات التي أرفضها، لكنني أجد نفسي مجبرا على قبولها، مقارنة جيلنا الحالي بجيل والدي في مجال الصبر..
لقد خاض والدي ووالدتي، ومن قبلهم أجدادي وجداتي معارك من أجل البقاء، بدءا من أعباء الحياة اليومية للبذر والحرث والدرس ورعاية الأبقار والأغنام وطهي الطعام، ناهيك عن مكابدة عناء الاستدمار وما جره عليهم من ظلم وجور وفقر وحرمان.. ثم بعد ذلك رحلتهم لكسب لقمة العيش والبحث عن سقف يؤويهم.. يعملون ليل نهار، يمضون جل يومهم في طوابير لا نهاية لها، ولا يعرفون للعطلة والراحة معنى أو يوما، وهم مع ذلك لم يتخلفوا يوما عن إجابة دعوة أو مواساة في حزن حتى مع من أساء إليهم.. وهم مع ذلك كثيروا الأولاد وكل أولادهم قد أتم تعليمه وأسس عالمه وعائلته..
وهم مع كل هذا وذاك بشوشين راضين مستسلمين لقضائهم الذي أمن لهم الدنيا بحذافيرها في نظرهم..
ونحن اليوم.. نحن اليوم وقد وصل بنا العلم إلى رفاهية وتقدم لم تعرفه البشرية من قبل، وصارت السيارات كلعب الأطفال، بل وصرنا نأكل من الأطعمة ما لم نكن نسمع به إلا في الحكايات والأساطير..
نحن اليوم كدنا لا نعرف للصبر معنى..
لا نطيق الوقوف لثوان أمام إشارة مرور قبل أن نشرع في التجاوز يمينا ويسارا ومن بين أرجلنا.. لا نطيق الوقوف لدقائق أمام شباك أو صندوق، حتى نشرع في البحث عن من يقضي لنا حوائجنا من تحت الطاولة.. لا نطيق البقاء على الكرسي لأداء عملنا الذي نتقاضى عليه راتبا لساعة من الزمن، حتى نختلق الأعذار للهرب ونترك مصالح الآخرين معطلة وعاطلة.. لا نطيق الصبر على أزواجنا وأبناءنا وإخوتنا، حتى نقطع أواصرنا لأتفه الأسباب، وبدون أسباب أحيانا..
إن مجتمعا لا يعرف الصبر هو مجتمع لا يعرف كيف يبني، ولكنه يعرف كيف يهدم..
إذا أردنا تغير أحوالنا فعلينا بتعلم الصبر، وتعليمه لأبناءنا.. أو على الأقل.. محاولة فعل ذلك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق