رُوى عن أحد الصحابة رضوان اللله عليهم أن مما أبكاه رضي الله عنه.. فراق الأحبة محمد وصحبه.. ولقد استعدت بخاطري سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف انتقل من معاشرة أهل الجاهلية وهو من الجاهلية نافر، ثم نزول الوحي ليَتلقى من السماء أعظم رسالة للبشرية ليخرجها من الظلمات إلى النور، وهو في ذلك نكرة لدى أهل الأرض وقد غفلوا وتاهوا وعموا، وهو المستضعف في بطن مكة، وهي لا تزال قرية لا يكاد ملوك الأرض يعرفونها..
فسار بحِملِه هذا بين قوم هَمُّهُم قُوت يومهم، أو شهوة ساعتهم، أو على أحسن الأحوال بيت شعر يَمتدِحُهُم أو يَحُطُّهُم! فأخرجهم إلى الكون فاتحينَ ملوكًا وخلفاءَ، ونَشَرَ دين الله الحنيف في أعظم اتساع وأوسع امتداد عرفه تاريخ الإنسان وفي فترة وجيزة لا تكاد تقاس بها تواريخ الدول..
وهو على ذلك لم يُكَرِّس للحروب إلا بضعا من حياته، فكان جليساً للصحابة وذوي القربى حتى رَوَوا عنه الآثار الجَمَّة، وكان مؤنسا وأنيسا لأهل بيته حتى طلقوا الدنيا لأجله وكانوا له كما كان لهم بل وأقل، وكان قائما لأمته بالنصيحة حتى لا يكاد يفتقد أحدا إلا سأل عنه، ولا يكاد يرى عِوجا إلا أقامه بالحسنى واللين واليسر..
وهو فوق هذا وذاك حسن المظهر والملبس والمنطق والحال والمآل.. فكيف لقوم ألفهم وألفوه، وعاشروه وكلموه أن لا يفتقدوه، وأنى لهم إذا مضى عنهم أن تبقى لدنياهم لذة أو معنى؟
إنه الحبيب المصطفى، أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة، وتركنا على المنهاج القويم.. فرددنا له الجميل بتضييع ذلك كله، وابتداع المنكرات والترهات، ثم نسبناها له بهتانا وزورا! ونحن على ذلك ندعي محبته واتباعه؟
جاءت ذكرى المولد، وفرقعنا القنابل والعبوات، وأحرقنا معها أموالنا التي تعبنا في كسبها بالحلال والحرام.. وكل عام ونحن على سفه وهبل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق