رواية الحمار الذهبي وفقا للعديد من المهتمين أول رواية في التاريخ، تاريخ الإنسانية طبعا! وقد طالعت مؤخرا ترجمتها العربية بقلم الدكتور أبو العيد دودو، فاستوقفني مضمونها مطولا من حيث موضوعها، واهتمامات مؤلفها لوكيوس ابوليوس. الرواية وإن عكست فعلا واقعا معاشا واهتمامات حقيقية لتلك الحقبة الزمنية من تاريخ الإنسانية، فهي تجسد نوعا من التناقض الصارخ في المجتمع وميولاته وأولوياته.
ذلك أن الرواية تصف في معظمها حضارة تؤمن بالديمقراطية في أسمى معانيها، من سيادة للرأي العام، وقضاء مستقل نزيه يسمع من جميع الأطراف ولا يعجل بالحكم، ومجتمع يبجل الخطباء والعلماء والأطباء وغير ذلك من مظاهر الحكمة. كما أننا نجد المجتمع متدين لأقصى حد، يؤمن بالآلهة ويبجلها ويقيم لها المعابد والمسارح أيضا، وهو ما نلمسه في نهاية الرواية اللتي تكتسي بعدا دينيا. وعلى العكس من ذلك نجد السحر، أو السحر الأسود بعينه -في مقابلة السحر الوردي المروي في قصص وروايات أخرى- طاغيا من البداية للنهاية. وإن كان مغرقا في الوهم والخرافة من تحولات واستحالات، إلا أنه يعكس جانبا من عقائد الناس وتصوراتهم. كما نجد أن الشهوة والغريزة المنحرفة أحيانا تطبع أيضا سلوكات أبطال الرواية، في صورة مقززة أحيانا -على ما بذل في رأيي المترجم لتهذيبها وتنقيحها- مما يدل على بدائية فجة للمجتمع آنذاك قد لا نجدها في المجتمعات المرتبطة بالأديان السماوية، وإن كانت هي أيضا تحوي هذه الممارسات، ولكنها لا تصور دائما بسذاجة في الأعمال الروائية لأشهر الأدباء. وإن كان البعض قد حاول تفسير ذلك بأن الكاتب نزع نزعة خيالية ميتافيزيقية للحديث عن الصراع الخالد بين الخير والشر، وبيان أهمية الدين والمعتقد في حياة المرء إلا أن هذا لا ينفي حقيقة أن هذه الإسقاطات تعكس وثنية وشهوانية طافحة في ذلك العصر. ويبقى في الأخير لكل قارئ الحق في تحليل الموضوع من وجهة نظره بعد قراءة الرواية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق