من الخسران المبين الذي ليس بعده ولا قبله خسران أن يكون للمرء نصف قدم لايثبت في عالم الغيب، ونصف قدم آخر لايثبت في عالم الشهادة.. فلا هو أمن غده، ولا هو ارتاح في حاضره!
لست هنا بصدد هلوسة فلسفية صوفية أو ترف فكري متهافت، إنما في معرض وصف حال أغلبنا في حياتنا التي وإن حفلت بالخروج والدخول والذهاب والإياب، وقبض المال وصرفه، والقيام باكرا والسهر إلى بعض ثلث الليل.. وإن حفلت حياتنا بكل ذلك.. لا ترى لأحدنا أثرا فيها، ولا ترى لأحدنا سعادة أو طمأنينة أو سكينة، بل كل واحد منا يفعل كل شيء! دون أن يحقق شيئا! ويموت في نهاية المطاف بسكتة، أو جلطة، أو صدمة وهو لم ينه عملا ولم يرقد ليلة دون أن يأرقه هم الحاضر وغم الماضي، وخوف قاهر من الآتي.
ومرد ذلك كله هو أننا لم نختر طريقا للسعادة، فلا نحن من أهل الكشف، فنخلص في عبادتنا ونبرع فيها ونزهد في الدنيا، فيتحقق لنا الأمن والأمان ونحقق مجدا أبديا خالدا! ولا نحن من أهل الأسباب، فنبرع في الدنيا ونملك أسبابها ونحقق ولو مجدا دنيوا خالدا أيضا! بل نحن كـ"المعلقة"، لا طلقنا الدنيا، ولا اخترنا الآخرة.. فلنا صورة طقوس لا نصيب للعبادة منها إلا الاسم، ولنا لعب بالمال والعمران والعلوم لا نصيب للدنيا منه إلا أنه يبعدنا عن الآخرة!
وفوق هذا وذاك نسخر من أنفسنا ونسمي هذا "الاستهبال" جمعا بين الدنيا والآخرة، ونعتقد سفها وحمقا أننا قد فزنا بالدنيا والآخرة؟ وحقيقة الأمر أننا نطمع في كل الدنيا وفي كل الآخرة، ولانعمل لا لجزء من الدنيا ولا لشفاعة من الآخرة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق