ممّا أبانت عليه جائحة كورونا لدى كل البشر، أنّنا ممتحنون.. وسواء صدّقنا بهذا الامتحان وأذعنّا له كما هو حال المومنين الصّادقين.. أو كفرنا به كما هو حال الملحدين الضّالّين.. فإنّ الامتحان قائم ومتجدّد ما دمنا أحياء، ومن هذا الامتحان: هذه الجائحة..
وهذا الامتحان له بعدان.. فهو في بعده الجزائيّ فردي، فنحن نُبعث فرادى، ونُحاسب فرادى، ونُجازى فرادى.. وهو في بعده الإجرائيّ جماعيّ، فنحن ممتحنون ضمن محيطنا العائلي والمجتمعي والعالمي..
وهذان البعدان في الامتحان قد أشكلا على كثير من النّاس، فاختلط الأمر عليهم ومنهم من راح يخلط بينهما..
فقد جعل أقوام البعد الجماعيّ على أنه جزائيّ، فراح يميز الحقّ من الباطل بما يُقِرُّّهُ القطيع، وأقول القطيع لا الجماعة، لأنّ الجماعة لها عقل جمعيّ يخاطب العقل الفرديّ بما يمكن أن يصحّح الوضع أحيانا! أمّا القطيع، فهو يخاطب غريزة الانقياد والاتّباع ولزوم الأكثريّة بعيدا عن الحجج والبراهين.. فالنّاس هنا يتقبّلون الوباء أو يرفضونه تبعا لإعلام الشّارع ونزوات العامّة في رفض الحجر وحبّ التّلاحم ونبذ كل أسباب التّباعد والحواجز.. وإذا حاولت إقناع أيّ واحد هنا، فإن الجواب جاهز.. الكلّ يفعل ذلك، وكأنّه يقول.. لن أحاسب على فعلي لأنّه متناغم مع أفعال القطيع..
وهنا يكمن سرّ الفشل في البلدان المتخلّفة عند الحديث عن كورونا.. فمواجهة الجائحة تُركت للقطيع بعيدا عن العقل الجمعيّ للمجتمع والدّولة.. هذا العقل الذي تمثله النّخبة بمؤسّساتها وروافدها الغائبة عن المشهد غيابا اعتباريّا وحقيقيّا أحيانا.. فنحن نرى السّلطات بأنواعها المتعدّدة وحتّى الدّينيّة منها تقرّر الإجراءات بما يهوى القطيع ويحقّق لها الجماهيريّة الشّعبويّة بدل الاستناد إلى رأي العلم والعقل والتجربة والمنطق.. ونجد لغة الخشب هي السّائدة، ونجد الكرة متروكة في مرمى القطيع إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.. والنّتيجة الطّبيعية هي أنّه لا يفعل! والمسؤولية هنا ضائعة.. فالسّلطة ترمي بالمسؤوليّة على القطيع، والقطيع لا ذمّة له لأنّ وجوده اعتباريّ لا محدّد له..
وإذا ضاعت المسؤوليّة ضاع الجزاء..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق