عند مطالعتنا للتّاريخ الأوروبيّ في عصر النّهضة الصّناعيّة، نجد حال الشّعوب الأوروبيّة لا يختلف كثيرا عن حال شعوبنا الإسلاميّة في نفس الفترة، إن لم يكن أسوأ.. فرغم الاختراعات والطّفرات الصّناعيّة والآليّة آنذاك، إلّا أنّ الشّعوب الأوروبيّة كانت تحت نير الاستبداد والاستعباد والفقر والجهل والأمّيّة.. أمّا شعوبنا، وإن كانت تحت الفقر والاستبداد، إلاّ أنّها لم تكن بهذا السّوء من ناحية العلم، بل كانت الأمّيّة شبه منعدمة عند الذّكور والإناث على السواء..
أمّا الآلات والاختراعت، فرغم استبداد وفساد الأنظمة عندنا، والّذي لم يبلغ فساد الأنظمة الأوروبيّة وقمعها وجرائمها، فقد عملت هذه الأنظمة على الأخذ بهذه الاختراعات كالكهرباء وآلات النّسيج والمصانع ولو على استحياء، ولو بنوع من التّأخّر أو التّأخير..
وإن كان الحال كما هو مذكور، فكيف صارت الأمور بعد ذلك على النّحو المشين الّذي نعرفه؟ وكيف احتلّت هذه الشّعوب الأمّيّة تلك الشّعوب الّتي تحسن القراءة والكتابة؟ وكيف حكمنا شذّاذ الآفاق على علمنا؟
والحقيقة أنّ الجواب عن هذا السّؤال ليس بالأمر الهيّن، وقد خاض المؤرّخون في كثير من جوانبه الفنّيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة.. ولكنّ الجواب الذي يلّخّص كلّ تلك الجوانب هو ما أفنى فيه مفكّرنا مالك بن نبي حياته.. إنّها دورة الحضارة..
لقد كانت تلك الشّعوب الأمّيّة على جهلها وسوء أخلاقها، في حالة فوران حضاري، طامعة للتّسيّد والتّمدّد.. فيما كنّا نحن في حالة من الخمول الحضاري، راضين بما نحن عليه، نقتات على نشوة حضارة أفلت ولم يبق لها من الوجود إلا أضغاث أحلام بلا باعث على الحياة..
هذا الخمول الحضاري، جعلنا لعدّة قرون نعاني ويلات استدمار من شذّاذ آفاق وأمّيّين وجهلة، رغم علمنا ومعرفتنا ورصيدنا..
هذا الخمول الحضاري الذي جعل هذا المستدمر ينتزع منّا جيلا بعد جيل اعتزازنا بأنفسنا وعلمنا ومعرفتنا ورصيدنا، حتّى ظهر من بين ظهرانينا من يسبّ حضارتنا وتاريخنا ولغتنا ويدين بالولاء للمستدمر الجاهل الأمّيّ الأفّاق..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق