كثيرٌ منّا يتكلّم عن الإصلاح، وعن ضرورة الإصلاح، وعن الفساد وعن تعفّن الأوضاع، ولكلّ منّا وجهتُهُ في الإصلاح وفي طريقة التّغيير المنشود، وعن بداية التّغيير أو الإصلاح ومداه ومكانه وأولويّاته.. والعجيب أنّ أحاديث الإصلاح والتّغيير تغزو المقاهي وجلسات الأفراح والمآتم ودردشات الهاتف والأنترنيت، ناهيك عن أحاديث الصّالونات الثقافية والملتقيات العلميّة والأدبيّة والفلسفيّة..
والعجيب أيضا أنّنا متى جلسنا إلى بعضنا البعض، أيقنا أنّ المتحدّث عن الإصلاح أيّا كان صادق صدوق، وطريقه قويم سليم وأنّ الأفكار والنّظريّات حول الإصلاح واضحة جليّة وأنّ التّطبيق سهل وبسيط.. ولكنّ الواقع يشهد على العكس من ذلك تماما، فسلوكاتنا كلّها تنمّ عن خلل عميق في الفهم واللّباقة والأدب، وتصرّفاتنا كلّها توحي أنّنا راضون عن الوضع ولا نريد التّغيير؟! فلا الحديث عن فساد الرّشوة وضررها وكثرة سبّ الرّاشين والمرتشين قلّل منها في مجتمعنا، ولا الدّعاء على اللّصوص والسُّرَّاق ونبزهم ولمزهم حفظ علينا أموالنا وأعراضنا بل هي مستباحة في كلّ يوم أكثر وأكثر.. فأين الخلل يا ترى في كلّ هذا؟
لماذا نتكلّم عن الإصلاح أكثر ممّا نُصلِح؟ ولماذا نتحدّث عن التّغيير أكثر ممّا نُغيّر؟ ولماذا نريد الإصلاح والتّغيير في الآخرين سواء كانوا أشخاصا أم مؤسّسات أم دولا أكثر ممّا نريده في أنفسنا وفي محيطنا؟
هل يكمن الخلل في فهمنا للإصلاح والتّغيير فنحن نردّد كالببّغاوات كلاما لا نفقه منه شيئا أم أنّ المشكلة في أنفسنا وفي نِيَّاتِنا وفي ضمائرنا فنحن نُنافق ونَتَنَافَقُ؟ أم أن المشكلة أكبر من ذلك كلّه فهي مؤامرة كونية تمنعنا من التقدّم؟
علينا أن نتريّث ونتروّى ونبدأ من الصّفر! علينا مراجعة المفاهيم وضبط المصطلحات وتحليل الأمور لنبني عليها أفكارنا ونظريّاتنا حتّى نصل إلى بناء سليم لا يهتزّ ولا يتضعضع.. فالحكم على الشّيء فرع عن تصوّره، والسلوك هو نتيجة لأفكار وقيم وظروف وملابسات حقيقية لا صوريّة.. وتقويم السّلوك لا يتأتّى إلا بتقويم الأفكار والقيم والظروف والملابسات تقويما حقيقيا لا شكليّا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق