تعرضت بالنقاش مع متفلسف مثلي إلى مسألة التغيير، وهل نبدأ التغيير من فوق، أم من تحت، أم من الجهتين؟ وكم كان نقاشنا حادا وجارحا أحيانا.. وانتهينا بطبيعة الحال إلى تشبت كل منا برأيه، كما هي عادة النقاشات في البلدان المتخلفة!
وعندما راجعت نفسي، وجدت أنه من الضروري أولا أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما وجوهريا قبل أن نخوض في كيفية التغيير.. وهو "هل هناك ضرورة للتغيير؟" وهو سؤال وإن كان ساذجا وتافها في رأي البعض، أو ربما الكل، من منطق أن كل واحد منا سيرد ويقول نعم! وبالقطع والجزم! لابد من التغيير! ونحن بحاجة إلى التغيير.. فهل هذا صحيح؟ وهل نحن بحاجة حقا إلى التغيير؟
لتبتعد قليلا عن النظريات، والمعطيات، والأرقام، وأحاديث الكتب والجرائد. والتي تجزم جزما أن التغيير ضروري، لأن مجتمعنا، واقتصادنا، وسياستنا، وتربيتنا، وتعليمنا، وكل جانب من جوانب حياتنا يحيد يوما بعد يوم عن النظام والميزان. ولكن؟ هل هذا كاف ليكون التغيير ضرورة؟ الجواب قطعا لا. لأن التغيير لا يكون ضرورة ملحة إلا إذا أحس المجتمع بذلك، لا علما وترديدا كالببغاوات، وإنما واقعا وإدراكا. والحقيقة على الأرض تقول عكس ذلك، فكل واحد منا راض بدرجة أو بأخرى بالوضع القائم، وفي قرارة نفسه يتمنى دوامه لأنه متنفع منه. ومهما حاولت النخبة الدفع به إلى التغيير، فلن يجدي ذلك نفعا لأنه مقتنع بصلاح هذا الوضع مقابل أي وضع متشكل جديد.
فالشاب راض بالانحلال والتفسخ لأنه يلبي نزوة كامنة فيه يسميها تحررا. والتاجر راض بالرشوة والفساد لأنه يزيد من دخله ويعفيه من واجباته للدولة من باب حرية السوق وأن البركة في التجارة. والمعلم راض بتدني مستوى التعليم، والتلميذ راض بانحطاط أساليب التلقين والتقييم، والإمام راض، والمسؤول راض، والكل راض، وإن كان يلعن ويشتم ويسب!
إن التغيير لن يتحقق إلا إذا أيقنت الغالبية أن الوضع الحالي لا يمكن إلا أن يكون الأسوأ، ورأت هذا اليقين عين اليقين، عندها فقط، يبدأ التغيير، ولا يهم حينها من أين نبدأ. أما ونحن جميعا متواطؤون، فلنشتغل بالتنظير والنظريات، نبيع كلاما ونشتري آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق