قادني بصري العليل إلى عيادة طب العيون لفحص روتيني كانت والحمد لله نتيجته طيبة. وأثناء انتظاري لدوري الذي طال نوعا ما، أجبرت على التمتع بأحاديث النسوة اللواتي كن ينتظرن أدوارهن في الفضاء المخصص لهن، والذي لا يفصل بينه وبين فضاء الرجال سوى ستار خشبي يستر الصورة ولا يحجب الصوت!
ورغم علمهن بوجود رجال على الضفة الأخرى للقاعة، إلا أنهن انهمكن في أحاديث غارقة في العمق والاسترسال. والحق أقول: لم يكن في أحاديثهن ما يجانب الأدب أو اللياقة، ولكن المواضيع التي تناولنها، تنم عن غزارة معرفة المرأة الجزائرية، وتخطيها للمطبخ وأحاديث الحلاقات وبطلات المسلسلات.
لقد شد اتباهي، وانتباه البعض ممن كان معي تنوع المعارف التي تتناولها المرأة بتعمق، وتحليل.. وثقة لا تضاهى! فقد كان الحديث يدور عن خبايا السياسة، وأخبار الرئيس، وكواليس الانتخابات، ثم عن الناخب الوطني وأحوال المنتخب والكرة الجزائرية، ثم عن جغرافية وهران التي اتضح لي أني أجهل الكثير من مغاورها ودواويرها وأسمائها، ثم عن سياسة التعليم، وقوانين التربية، وأحوال المدرسة الجزائرية وبرامجها! لتحتل في الأخير بعض المواضيع النسائية فواصل بسيطة كفوائد هذه العشبة أو تلك، وعادات هذه البنت أو تلك، وحكايات هذه المرأة مع جاراتها، أو كناتها (حمواتها)، وبطبيعة الحال أحوال الطبيب والطبيبة والممرضة والجارة.
وكل هذا الكم من النقاش الذي كان يحتد ويخبو، جرى والكل يتحدث في آن واحد، والكل ينصت أيضا في آن واحد! وأكثر من ذلك، في أقل من ساعة من الزمن..
فمن قال أن للنواعم كلاما ساذجا ومعرفة سطحية بالأشياء، أو أن كلامهن مدهون بالسمن والصابون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق