نفسك التي بين جنبيك

أقسى المعارك وأضراها وأشرسها هي المعارك التي تخوضها مع نفسك.. فالعدوّ البائن الخارجيّ قد ينال منك ما ينال، ثمّ تختلي بنفسك فتجد راحة وعزّة وأنفة تنسيك ما لقيت وتنزل عليك سكينة وطمانينة تغيظ عدوّك وتزلزل أركانه..

أمّا نفسك الّتي بين جنبيك، الأمّارة بالسّوء.. فهي تقضّ مضجعك ولا تريك من حالك إلّا ما يسوءك.. تغريك بالمعاصي والآثام.. فإن تعفّفت هاجت وطغت.. وإن طاوعتها ألحقتك النّدامة والخسران وأغرتك بما هو أسوء وأشرّ وأطغى..

وفي هذا ما لقيت دواءا خيرا من دعاء الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلم: "لا تكلني إلى نفسي طرفة عين".. أي مقال أبلغ عن خطورة النّفس وشرّها خير من هذا الدّعاء.. إنّ الرّسول الأمين صلّى الله عليه وسلّم وهو أخبر النّاس بالنّفس وأحوالها.. وأعلم النّاس بالصّلاح والفساد والنّجاة والخسران، يسأل الله ألّا يكله إلى نفسه طرفة عين.. وما أدراك ما طرفة عين.. طرفة عين بينك وبين نفسك كفيلة بأن تحبط أعمالك وترديك المهالك..

إنّه لدعاء خطير.. طرفة عين بين المرء ونفسه تفتح أبواب جهنم.. طرفة عين بينك وبين نفسك يتعوّذ منها خير الأنام المعصوم نبيّ الرّحمة.. طرفة عين لم يتعوذّ منها النّبي لأنّها بينه وبين الشّيطان بل بينه وبين نفسه.. فالشّيطان وإن كان يجري من ابن آدم مجرى الدّم، إلّا أنّه عدو خارجي، نتحصّن منه بالدّعاء والذّكر والصّلاة والطّاعات.. أمّا النفس فتغريك وأنت في ذكرك ودعائك وصلاتك وطاعتك.. ولا أعلم لها حصنا غير دعاء الرّسول صلى الله عليه وسلم وعصمة الله جلّ جلاله -ولا أقصد العصمة العقديّة الّتي لا نقرها لغير الأنبياء- التي يعطيها عباده الصّالحين..

اللّهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق