أبان الوباء الذي ضرب العالم عن فئات من النّاس تحدّد موقع كلّ أمّة من الحضارة الإنسانيّة..
الفئة الأولى اشتغلت بتخزين الدّقيق والسّكر والزّيت، وغزت المتاجر والمحلّات، وهذه الفئة هي السّواد الأعظم من كلّ أمّة، وتكاد تكون الوحيدة في بلداننا المتخلّفة.. إنّها الفئة من النّاس الغارقة في عالم الأشياء..
والفئة الثّانية راحت تحاول الحركة في اتّجاهات متعدّدة، فمن البحث عن دواء هنا وهناك، ومن تنظيم الجماهير في مبادرات تطوّعيّة خيريّة، ومن ابتكار حلول للتّعقيم والتّطهير وصنع الكمامات والواقيات.. إنّها الفئة الباحثة في عالم الأحداث.. وهذه الفئة مكمّلة للفئة الأولى في بلداننا المتخلّفة، وقليلة أيضا نوعا ما في البلدان المتقدّمة..
والفئة الثاّلثة استقرأت الوباء قبل وقوعه، وقرأت الأشياء والأحداث عند وقوعها، وهي اليوم تصنع أحداث ما بعد الوباء وتتموقع في العالم الجديد، فهي تحضّر لمشاريع القوانين، وتضع دراسات الجدوى للمشاريع، وتبحث الأحلاف والصداقات والعداوات.. إنّها الفئة القارئة في عالم الأفكار.. وهذه الفئة معدومة في بلداننا المتقدّمة، وقليلة جدّا جدّا في البلدان المتقدّمة..
والحقّ يقال، أنّ لكلّ فئة من هذه الفئات دور لا يستهان به في الأمّة..
فالفئة الأولى هي التي تضمن بقاء النوع، فهي مثال الغريزة الحيوانية لدى الأمة..
والفئة الثّانية هي التي تضمن التّكيّف مع المحيط وتماثل غريزة البقاء لدى الأمّة..
أما الفئة الثّالثة فهي التي تضمن بقاء الحضارة والاستقلال والدّولة والمجتمع.. ولا مثال لها في عالم الحيوان، لأنّها لا تكون إلّا للإنسان..
فمن هنا كنّا نحن في البلدان المتخلّفة نصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، والتّكيف مع الوباء كأفراد لا كأمّة.. وكانت الدّول المتقدّمة، زيادة على هذا، تصارع على الرّيادة وعلى التّموقع في المستقبل كأمّة لا كأفراد..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق