قبل الخوض في تفصيل الأولويات، ضوابط تحديدها، وكيفية ترتيبها، ينبغي تقييد موضوع النقاش حتى لا تختلط في عقولنا المفاهيم. فضبط الأولويات يتعلق بما نختاره، لا بما نضطر إليه، كيف ذلك؟
الضروريات الفردية والجماعية لا تخضع لترتيب أوتفصيل، وإنما يمليها الواقع والدافع الداخلي. فالأكل والشرب والنوم والزواج وتحصيل الأرزاق والدفاع عن المال والأرض والعرض وغيرها من الأمور التي لا تستقيم الحياة إلا بها لا تدخل في تفكيرنا حول ضبط الأولويات وتفصيلها. إنما تخضع أحيانا إلى موازين الكفاية والإفراط والتفريط. فالإتيان بها على قدر استقامة البدن والحياة أفضل من التفريط فيها لأنه يؤدي لهلاك الفرد والمجموعة، وهو خير أيضا من الإفراط فيها لأنه يشغل الفرد والمجموعة عن التوسع في عمارة الأرض وإقامة المجتمع السليم.
وإذا علمنا أن الضروريات تفرض نفسها فهي خارج الترتيب، وجب ضبط الأولويات وترتيبها فيما عدا ذلك من أسباب الحضارة والعمران وتحسين المعاش من علوم وحرف وصناعات وأدب وهندسة وتجارة وعلاقات وسائر أشغالنا ومشاغلنا.
على أن ضبط الأولويات وترتيبها يدخل أيضا في سبل وطرائق تحصيل الضروريات. هته الضرورات التي هي خارج النقاش، لكن سبل تحصيلها تتعدد، والوصول إليها أحيانا يكون بطرق متعددة، قد يحتاج تحديد الناجع منها إلى تحديد بعض الأولويات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق