كورونا وروح المبادرة

روح المبادرة هي مقياس الفعاليّة في أيّ مجتمع، أو هكذا أخبرنا مالك بن نبي رحمه الله. وفي جائحة كورونا، أبانت الأزمة عن مبادرات لدى الشّباب في تصنيع الكمّامات والأقنعة والقيام بحاجيّات الفقراء والمعوزّين.. ولكنّها مبادرات روتينيّة.. محمودة ومطلوبة.. ولكنّها رتيبة لا إبداع فيها..
وفي المقابل، نجد طلبتنا وقد أجبرتهم الكورونا على المكوث في البيوت، أو هكذا نعتقد؟! وفي المقابل، تَحًثُّ الوصاية على مواصلة التّعليم عن بعد، بكل وسيلة ممكنة.. ولكن للأسف، عوض أن يبدع الطّلبة في التّواصل عن بعد، بإيجاد حلول للمشاكل، هاهم يبحثون عن مشاكل للحلول؟
فبالرّغم أن التّعليم عن بعد يمكن أن يتمّ حتى بالمسنجر الذي لا يخلو هاتف طالب منه، إلاّ أنّهم اتّفقوا وبيّتوا النّيّة على التّوقّف التّام تضامنا -حسب زعمهم- مع زملائهم ممّن ليس لهم اتّصال بالأنترنيت..
نعلم أن هناك فقرا كافرا في البلد، ونعلم أن الله قد امتحننا في أرزاقنا كثرة وقلّة..
ولكن!؟.. عندما يتّفق طلبة الإعلام الآلي على إيقاف الدّروس.. عوض البحث عن حلول لبعض من زملاءهم.. فهذا هو الانبطاح وغياب التّضامن وحبّ النّوم والكسلان لا أكثر ولا أقلّ..
إنّ عقولنا وأرواحنا لا تثور ولا تهيج إلا للمطالبة بالحقوق المادّيّة.. ونضحّي في سبيل ذلك بالنّوم والمال والحرّيّة.. ونجد في سبيل ذلك الحلول لكلّ المشاكل..
أما أداء الواجبات.. فهو موقوف على شعرة.. تنقطع لأوّل نسيم يهبّ عليها..
والأدهى والأمرّ، أنّ بعضا ممّا تحسبونه من الواجبات.. هو حقوق! ولكن لا تعلمون..
والله المستعان.

عندما نستعصي على الوباء

تمرّ جائحة كورونا ونحن نِيام.. تمرّ بنا، تخطف الأرواح، وتُعَلِّقُ الأجساد من صدورها.. فلا نرى فيها إلّا أرقاما.. أرقاما للموتى، وأخرى للمصابين، وأخرى لمن شفي.. وكأنّ التّحدي صار بالعدّادات..
لا زال البائع يشقّ البطّيخة ويقضم منها ويناولها للمشتري ليقضم منها أيضا.. ولا زال التّاجر يتناول فنجان القهوة الذي اشتراه خلسة من المقهى المُغلق، ويرتشف رشفة، ثم يعطس في يده، ويمدّها بعد ذلك لمصافحة الزّبون، ويقتطع بها الجبن فيزنه ويُسلِّمُهُ للزّبون، وكلّ هذا بيد واحدة خالية من أيّ غسلة أو تعقيم.. ومازال شباب الحيّ يتجمّعون قبيل المغرب وبعدها والوجه في مقابل الوجه يتحدّثون عن كورونا..
تمرّ الجائحة ونحن لا زلنا نرفع من ثمن السّلعة الأساسيّة لأنّ النّاس في حاجة.. نتمارض في البيت ثمّ نتسابق لإدراج اسمنا في قائمة العلاوات للمجنّدين ضدّ كورونا.. نتباكى على غلق المساجد ونحن نلهو ونلعب وأذان الصّلاة يدوّي.. نلعن الدّاء والفيروس ونلعن الصّين وأمريكا وأوروبا لأنّهم سبب الدّاء، وننتظر في جمود وسكون أن يتعطّفوا علينا باللّقاح، وقبله بالكمّامات..
تمرّ الجائحة والمساجد مقفلة خوفا من العدوى.. والأسواق عامرة مَعصُورَة بالنّاس خوفا من الجوع والفقر.. عدوى وجوع وفقر.. خوف من الدّنيا.. وأمن من الآخرة..
والله المستعان..

شروط النهضة

من روائع المفكّر الجزائري مالك بن نبي، نجد كتابه شروط النهضة. وهو مؤلف معقّد لا تنفع معه القراءة السّريعة ولا الشّاقولية، فهو مليء بالأفكار التي قد تحتاج لمؤلّفات لوحدها لشرحها وتنقيحها.
يتكلّم المؤلف في كتابه هذا عن دورة الحضارة وموقع الأمّة الإسلاميّة منها، وعن خصوصيّة كلّ أمّة في نهضتها.. يشير الكاتب إلى الوثنيّة الحديثة بتقديس الأشخاص والأشياء في الدّين أو في السّياسة.. ويتحدّث وكأنّما يعيش بيننا اليوم عن وهم الشّعب الذي يتحوّل بعصا سحرية من المريض الإجتماعي إلى الرّشيد الواعي بمجرد مطالبته بالحقوق في حين أنّه لا يؤدّي أبسط الواجبات تجاه قضيّته الحضاريّة..
مفاهيم كثيرة: تكديس الأشياء عوض البناء المتّسق.. عناصر الحضارة وضرورة الفكرة الإيمانيّة للتّفعيل.. العلاقة بين الرّوح والعقل والغريزة في تحديد مراحل دورة الحضارة.. دور المرأة الذي لا ينفصل عن دور الرّجل.. التّوجيه وتنقية الثّقافة.. وحتّى الذّوق والجمال والموسيقى.. كلّها مكوّنات تصبّ في مصبّ البناء المنشود..

المارڨ في زمن الكورونا.. أو البغل في زمن الكورونا

صديقُنا المَارڨْ (El mareg، أوالذكي الفطن الذي فهم الحياة) يعتبر نفسه بعيدا كلّ البعد عن الكورونا.. فالحجر الصّحي مَا كَانْشْ مَنَّهْ! هودائما عند عمود الإنارة مع أصحابه ليلا ونهارا.. وعند سماعه صفّارات الشّرطة وتحذيرات عمّال البلدية.. يجيب الكلّ بكلمته الشّهيرة ساخرا من الكلّ "قِيييييوْ"..
صديقنا المارڨ ينتظر قبيل بدء ساعات الحجر، عند امتلاء الدّكاكين.. ليزاحم النّاس ويشتري علبة سجائر وعلبة حلوى.. يقترب من النّاس ليخيفهم.. يتنفّس في وجوههم.. ويشترى الكلام بضحكة صفراء ونظرة استهزاء وتهكّم..
هذا المارڨ يرى النّاس حمقى.. مُوَسوَسِين.. ساذجين..
فجأة.. بدأ المارڨ في السّعال.. وبدأت حرارت جسمه ترتفع.. وبدأ النّفس يضيق في صدره.. وفجأة وجد نفسه في المستشفى.. والطّبيب يسأل زملاءه.. هل هناك سرير إنعاش ؟؟
صادف أن المارڨ هذا وصل إلى المستشفى مع الحاج احمد.. شيخ في السّبعين.. خرج منذ أسبوع مضطرّا لشراء الدّواء بعد حجر في منزله لمدّة شهر.. فاقترب منه هذا المارڨ وسلّم عليه وقبّله على رأسه.. وقال له .. "عمّي احمد! ما يَخَّلعُوكش ڨَاعْ.. مَا كَانْشْ ڨَاع مَنهَا هذاي كورونا" (والمعنى: لا يخدعونك بهذه الكورونا فهي ليست من الحقيقة في شيء).. وترك المارڨ عمّي احمد بعد أن نقل إليه العدوى.. 
في مصلحة الإنعاش.. كان هناك سرير واحد.. فقرّر الأطبّاء إنقاذ الشّاب المارڨ لأنّه مقبل على الحياة.. وتركوا عمّي احمد يلاقي ربّه..
نجا المجرم.. وجُرمُه جُرمَين.. جُرم نقل العدوى.. وجُرم القتل.. وماتت الضّحية مرّتين.. مرّة بتلقّي العدوى بغير ذنب.. ومرّة بحجّة إنقاذ بغل! لأنّه مقبل على الحياة..
كم من بغل بيننا يجول وهو يقتل وهو لا يدري.. وكيف يدري وهو بغل؟؟ وكم من بغل سيتبجّح بعد الوباء بأنّه واجه الوباء والحجر ولم يمت.. والحقيقة أنّه أعان على الوباء ونشر العدوى وتلطّخ بدماء الشّهداء..
وعند ربّك تجتمع الخصوم.

في قلبي أنثى عبرية

بتعبير سهل تتخلله كلمات عميقة موحية. كتبت خولة حمدي رواية بعنوان في قلبي أنثى عبرية. في الوهلة الأولى شدّتني المعلومات التّاريخية التي كنت أجهلها عن تونس الشّقيقة وعن لبنان وما عانته من آثار حربها مع الكيان الصهيوني. 
صورة جديدة يمكن أن ترسم عن اليهود وعن إمكانية معايشتهم للمسلمين في كل أنحاء العالم. وصورة أخرى رسمت تحمل كل معاني الحب واللامستحيل لتعايش الديانات الذي طالما كان في طيّ "المحرمات".
نعم وإن كانت رواية، فهي تعكس أيضا أنه مهما كانت ديانة الفرد، يجب أن تكون عن قناعة ومعرفة لا عن توارث وتقليد! لأنه وبدون شك، فدين الإسلام دين منطق وبراهين تتقبلها العقول قبل الوجدان، دين ينهي ما علق في نفوس بعض البشر من شوائب الدّيانات المحرّفة.