750000 نسخة.. من كتاب؟

قرأت خبرا قصيرا أثار دهشتي واشمئزازي في نفس الوقت.. سمعت أن كتابا صدر في الولايات المتحدة الأمريكية، بيع منه خمسون وسبعمائة ألف نسخة.. 750000 نسخة.. مليون إلاّ ربع نسخة في يومه الأوّل.. نعم! في أوّل يوم من نزوله المكتبات..
ألم تُصَدِّعُوا رُؤُوسنا أنّ الكتاب الورقي ولّى زمانه.. وأنّ الأمريكان لا يقرؤون.. وأنّهم شعب لا يعرف أين تقع أوروبّا وأفريقيا.. وأن التّكنولوجيا الحديثة هي التّكنولوجيا الرّقمية.. وأنّ آبل وأخواتها هي الحداثة والورق للتّاريخ والمتاحف..
لو أنّ هذا الكتاب صدر في أوطاننا المسلمة مجتمعة.. وهو كتاب سياسة وفكر.. لما بيع منه عُشرُ هذا العدد ولو بقي على الرّفوف مدّة مجموع سنين حكم رؤسائنا وملوكنا كلّهم أجمعين..
نحن الأمّة التي لا تقرأ.. نحن الأمّة الجاهلة التي ترمي بجهلها إلى الآخرين.. وإذا قرأنا فنحن بين تفسير الأحلام والطّبخ.. النّوم والأكل..
غفر الله لنا لما فرطنا في أول الوحي وآخره..

خطة الأربعاء إلى الخميس..

سمعت نكتة قديما.. أن معلّما للصّبيان أملى عليهم نصّا فيه كلمة "الأربعاء".. فسأله تلميذ مُتَفَاهم: "همزة كلمة الأربعاء، على السّطر أم على الياء؟؟" فأجابه المعلّم الحذق الماهر المُلمّ بالكتابة: "دعك من الأربعاء، واجعله الخميس!"
وتأمّلت في حالنا هذه الأيام، فوجدت حالنا كحال هذا المعلّم، نهرب من مشاكلنا والمصاعب التي تعترضنا بتحويل مجرى الأمور ونقل المعارك والأحداث إلى مناطق نعتبرها آمنة وهي في الحقيقة خطر علينا من حيث لا ندري..
فمشاكلنا مع الأهل نحلّها بقطع العلاقة وإخراجهم من حياتنا.. ومشاكلنا مع العمل نحلّها بغيابنا وربما اسقالتنا.. ومشاكلنا مع الجيران نحلّها بالرّحيل.. ومشاكلنا مع الأزواج نحلّها بالطّلاق..
وأدهى من ذلك وأمرّ.. أساتذة الجامعات يختصرون ويغيّرون برامج التّدريس من مواضيع لا يفقهونها إلى بضعة أسطر يحفظونها مع أن المفروض أن يُطوِّرُوا أنفسهم لفهم البرامج لا تغيير البرنامج وحذف ما لم يفهموا..
إنّها حياتنا، فرار دائم من الأربعاء إلى الخميس.. وعقدة دائمة من الهمزة ووضعها..

هل يجوز للكافر أن يدخل المسجد؟

أثارت أحداث استقبال وهران للأساقفة وتجديد كنيستهم بحر الأسابيع الماضية موجة من التّعليقات والأحاديث والنّقاشات.. بين فتاوى مبتورة من هنا وهناك.. وأقوال للعلماء وللعامّة وسباب وشتم.. وتصدّرت خطب الجمعة سردا لأقوال العلماء وفتاويهم عن تجديد الكنائس في ديار المسلمين وحكم دخول الكافر إلى المسجد وحكم دخول المسلم للكنيسة..
ولست هنا بصدد الإفتاء والتّنظير الفقهي.. فلست فقيها ولا مفتيا.. ولست هنا بصدد التجريح أو التّعرض للفقهاء وعلماء الأمّة فهم حماة الشّرع ومعالمنا إلى معرفة الحلال من الحرام.. إنّما أخوض في هذا الباب من باب شموليّ في محاولة لقراءة واقع الأمة وحالها البائس.. فإني أكاد أجزم أننا لو استفتينا الأئمة الأربعة مالك وأبا حنيفة والشافعي وأحمد عن هذه المسائل وعَلَّمناهُم بحالنا لكان جوابهم أن لعنة الله قد حقت علينا لِما ضيعنا من دين الله!
لقد أجاز الرّسول صلّى الله عليه وسلّم دخول الكفّار إلى مسجده.. ودخل هو دور اليهود والمشركين.. ودخل الصّحابة بعده وعلماء الأمّة من السّلف بِيعَ الكفّار ومعابدهم ولم يتطاول عليهم الغوغاء ولم ينكر عليهم أحد.. ليس لضحالة علمهم أو غزارته.. ولكن لتباين مقصودهم عن مقصودنا.. وفهمهم الصّحيح لرسالة الإسلام وقصورنا عن فهم حتى قول لا إله إلا الله!
لقد كان الدّافع للأوائل إيمانٌ راسخ بالله ودينه، وعزيمة على إعلاء كلمة الله ولو ببذل النّفس، وثقة في أن هذا هو الحقّ وأنّ الله ناصر عبده.. فلم يخشوا أبدا من دعوة الكفار لهم للنّقاش أو الجدال، ولم يستحوا يوما من أن يبدؤوا كلامهم بأن يقولوا "أسلموا تسلموا.." فكانت عندهم مسائل دخول الكفّار لمسجادهم ودخولهم لمعابد الكفّار وبناء الكنائس في أرضهم مسائل محسومة بالواقع لا بالافتراض.. لأنّ تمكن الإسلام من قلوب أولئك النّصارى واليهود كان مسألة وقت.. ومن عاند الحقّ منهم فإنّهم قلة مصيرهم إلى الزّمن إمّا يجاهروا بالحرب فيهلكون أنفسهم وإمّا ينصاعوا لحكم المسلمين فيأمنوا..
أما اليوم، فنحن قوم نستحيي بديننا وكأنّه عورة نخشى انكشافها.. ونرى في الكفر رِفعة وعلوا تجعلنا نخشى من رؤية الكافر في أرضنا خشية أن يفتننا عن ديننا.. ونرى في كل كنيسة منارة لتكفير أبناءنا وبناتنا..
ذلك أنّنا أضعنا تربية أبناءنا وشبابنا على الإسلام، ورضينا بالقسمة الحالية بيننا وبينهم.. لهم دينهم ولنا ديننا.. لا نرضى لهم منّا بأحد.. ولا ضير إن لم يأت منهم أحد!.. تخلّينا عن رساليّتنا في نشر الإسلام.. وعن الدّعوة لدين الحقّ.. ولو عندنا لهذا الرساليّة وهذه الدعوة لخشي الأساقفة أن يدخلوا ديارنا مخافة الإسلام وتركوا هم بناء الكنائس في أرضنا مخافة تحويلها إلى مساجد بسلطان الدعوة والعقل لا بسلطان القوة والقهر..

في اليوم العالمي للغة العربية

تحتفل المنظّمة الدّولية باليوم العالمي للّغة العربية، ومن العجب العجاب أنّنا ونحن النّاطقون بلسان الضّاد لا نعير لهذه المناسبة وزنا!.. فكم صدّع رؤوسنا بعض القوم بالأمازيغيّة في كلّ مناسبة وبغير مناسبة، وبالحرف الأمازيغيّ والتّراث الأدبيّ الأمازيغيّ واللّسان الأمازيغي.. وهم هم الذين يحتفلون بأعيادنا التّراثية والتّاريخية بلغة موليير.. هم هم الّذين يشمئزون من حروف العربيّة ولسانها..
وممّا زاد في عجبي تصدُّر السّفارة الفرنسيّة للاحتفال باللّغة العربية في يومها؟!.. وهم الّذين حاربوها فوق القرن بعساكرهم ويحاربونها قرابة القرن بأتباعهم وأذنابهم..

عندما تتسخ العقول

تتكرّر أمامي هذه الأيّام سلوكات أعلم أنّها منتشرة.. ورأيتها من قبل.. وتحدّثنا عنها كثيرا.. لكنّي أحببت أن أجدّد الحديث عنها لأنّي لا أرى سواها.. ومن كلّ الأعمار.. شيبا وشبابا..
لقد رأيت أناسا يرمون القمامات من سياراتهم.. البارحة رأيت أمامي يدا -أحسبها لإنسان!- تخرج من نافذة السّيارة وتقذف بقارورة بلاستيكيّة على قارعة الطّريق، لتنتهي القارورة في حقل للأشجار.. ورأيت قبل يومين رجلا مسنّا أبيض الشّعر وهو ينظّف شاحنته ويرمي المناديل وأعقاب السجائر وفتات المكسّرات وكأنها مخلّفات قرود ويرمي كلّ هذا من نافذة شاحنته إلى وسط الطريق لا قارعته.. واليوم رأيت من يرمي من نافذة سيّارته كيس قمامة بأكمله!.. كيس أزرق ملفوف ومقفل يظهر من خلاله قشور البرتقال وعلب السّجائر.. لقد تكبّد الكائن السّائق عناء جمع القمامة ووضعها في كيس وإقفال الكيس.. ثم رمى بها من نافذة سيارته وهو يسير بـ80 كلم/الساعة لينفتق الكيس على الطّريق وتتبعثر القمامة التي جمعها..
النّاس مجانين وعقلاء.. فالمجنون لا حساب ولا عتاب عليه، والعاقل محكوم بعقله في أفعاله وتصرفاته.. أمّا هؤلاء القوم فلا أجد لهم تصنيفا لا في هؤلاء ولا في هؤلاء.. فلا هم مجانين لهم عذرهم.. ولا هم عقلاء يفكّرون وينطقون.. إنّ لهم عقولا متّسخة قذرة نتنة.. تجعل أفعالهم نجسة ولو غسلتهم بأمطار الأرض كلّها ما نظفوا ولا زالت ريحهم..