عندما يزورنا المرض

 عندما يبتلينا الله بالمرض، وتضيق علينا الدّنيا فنصبح لا نرى إلا محيطنا الضّيق.. الضّيق جدّا، وعندما أقول المحيط الضّيق فأنا أقصد النّفس والذّكريات.. فكلّ ما عدا ذلك من أهل ومال وعلم وعمل نذهل عنه ويصغر في أعيننا ونرميه وراء أنفسنا..

عندها ندرك أنّ دنيانا مجرّد مسرح يؤدّي فيه أناس دورهم المكتوب لهم، ويتناقلون بينهم أشياءا وألعابا نسمّيها أموالا وكنوزا، وهي عهدة سنتركها عندما يُسدل الستار ليُسأل كلّ واحد عن دوره فقط، هل أدّاه على الوجه المطلوب أم أنّه قد خرج عن النّص وجاء بالمحذور..

هي هكذا الدّنيا.. نُبتلى فيها ونكدّس فيها الأموال والأعمال.. لندرك عند أوّل محطّة من محطّات الرّحيل، أو قل عند أوّل تذكير بالرّحيل بطريق المرض أو الفراق أو الألم.. نُدرك عندها كم كانت تافهة حياتنا بعيدا عن ذكر الله، وعن ملاطفة الأحباب، وعن التّجاوز والتّغاضي عن زلاّت النّاس، وعن الانشغال بالنّفس عن الآخرين..


فلسطين الأرض وفلسطين الكلمة

سألني أحدهم مستهزءا مستنكرا: تريد أن تحرّر فلسطين؟ وعينه على الواقع التّعيس الذي نحن فيه من الضّعف والهوان في أنفسنا ومجتمعنا ودولنا..
والحقيقة أنّ سائلي لم يفقه من الأمر شيئا..!
فنحن عندما نتشارك أخبار فلسطين، وخريطتها من البحر إلى النّهر، وإسمها وعلمها.. نعلم أنّنا في عصر ضعف لا قوّة، ونعلم أنّ من بني جلدتنا من باعها قبل أن يبيعها أعداؤها.. لسنا عن ذلك غافلون..
إنّ تحرير فلسطين الأرض علمه عند ربّي.. ييسّر له الأسباب والرّجال..
كلّ ما نخشاه اليوم أن تضيع فلسطين الكلمة كما ضاعت فلسطين الأرض، لذلك فنحن نذوذ عن الكلمة ونحميها ونبثّها في أبنائنا ونحفرها في الصّخر والشّجر والحجر.. ونحفرها قبل ذلك في وجدان العدوّ قبل الصّديق..
فنحن نحافظ على فلسطين الكلمة حتّى إذا جاء وعد الله، أخرجها الرّجال من النّقش والرّسم إلى همم الأبطال وضربات الجحافل..

فلسطين من النهر إلى البحر
الصورة من صفحة (Aek Palestine) على الفايسبوك

في ذكرى الكلمة

هو الشّهيد الذي قال عنه الشّيخ متولّي الشّعراوي أنّه قد فسّر القرآن وكأنّه يوحى إليه! في مثل هذا اليوم من عام 1966 تمّ إعدام سيّد قطب رحمه الله..
هي ذكرى الكلمة، فالشّهيد رحمه الله لم يحمل سلاحا يوما ولم يقتل أحدا ولم يُحرّض على عنف أو عصيان.. ولكنّه فعل ما هو أدهى وأمرّ، لقد ألقى في وجه الطّغيان كلمة حقّ..
في دنيانا هذه أصناف من النّاس.. صنف آمن بالقوّة وأنّ القوّة تصنع الأمجاد، وهؤلاء مصيرهم النّسيان بمجرّد زوال قوّتهم.. وصنف آمن أنّ القوّة هي الحقّ، وهؤلاء عبيد لا ذكر لهم أحياءا ولا أمواتا.. وصنف آمن أنّ الحقّ أحقّ أن يُتّبع وأنّ الحقّ كلمة كما أنّ الكفر كلمة.. وهؤلاء لا يعمّرون في الدّنيا طويلا، ولكنّ ذكرهم باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ومن هؤلاء الأديب الشّهيد..
رحم الله سيّد قطب..
صورة تجمع الشيخ البشير الإبراهيمي والشهيد سيط قطب وثلة من العلماء
صورة تجمع الشيخ البشير الإبراهيمي والشهيد سيط قطب وثلة من العلماء

المفاهيم أولا..! الأضحية لله وحده

من المفاهيم التي ينبغي أن تُصحّح، ونحن هنا في إطار عقدي وشرعي.. مفهوم الأضحية..
نحن نرى النّاس في أيّامنا هذه تنحر الأضاحي.. تنحرها لوجه الصّغار.. وتنحرها لأعين الكبار.. وتنحرها أمام الجيران.. وتتقاسم ثمنها بين إخوة وجيران وعمّال وأصحاب.. وتقول أنّها تقيم شعيرة من شعائر الله..
العيد فرحة.. فيه توسعة للعيال وإبهاج للصّغار.. وفيه توسعة في الطّعام وإطعام للّحم.. ولكنّه قبل ذلك عبادة..
والطّريق إلى الله في آخرتنا ودنيانا لا يكون إلا بتصحيح المفهوم.. فالفرحة والتّوسعة والبهجة تأتي تبعا لشعيرة الله لا العكس.. فالشّعيرة ليست إلا لله وحده..
الشّعيرة تكون خالصة لله، لا تُشترى برشوة أو بمال فاسد أو بمال حرام.. الشّعيرة لا مباهاة فيها ولا تُشارك صورتها ويعلن ثمنها من على المنابر.. الشّعيرة تُقام مقامها الحقّ، فإن كانت سنّة فهي كمال للفرض، فكيف لمن لم يركع لله ركعة أن يحرص على السّنة؟ وكيف بمن كشفت عن عوراتها أن تدور فاتنة في الأسواق تبحث عن إقامة السّنة؟ وكيف لم تخلّى عن والديه في دور العجزة أن يقيم السّنة لهم في منفاهم؟
لقد جعلنا من الكبش صَنما في المجتمع يُعبد من دون النّاس، فصار الفقير يحمل همّ كبش العيد أكثر ممّا يحما همّ إقامة الصّلاة في وقتها.. كلوا أنعامكم في عامكم، وذروا الشّعيرة لله، عبادة كما هي باقي العبادات..

المفاهيم أولا..

  قبل الحديث عن الإصلاح العملي والحركة من أجل التّغيير والانطلاق في المشاريع والأشغال الضّخمة وبناء المجتمع والدّولة، لا بدّ من تصحيح المفاهيم في النّفوس والعقول.. ذلك أنّ بناء أيّ مشروع حضاري لن يتمّ إلاّ ببناء الفرد الذي سيشتغل عليه ويحافظ عليه، وبناء هذا الفرد لا يتأتّى بالحشو المعرفيّ وإنّما بتصحيح المفاهيم وتوجيه النّيات توجيها صحيّا.. هذا التّصحيح الذي يُخرجنا من دائرة الغُثاء على كثرة العدد إلى دائرة الفاعليّة على قلّة الأفراد..

قراءات في التاريخ.. الخمول الحضاري

عند مطالعتنا للتّاريخ الأوروبيّ في عصر النّهضة الصّناعيّة، نجد حال الشّعوب الأوروبيّة لا يختلف كثيرا عن حال شعوبنا الإسلاميّة في نفس الفترة، إن لم يكن أسوأ.. فرغم الاختراعات والطّفرات الصّناعيّة والآليّة آنذاك، إلّا أنّ الشّعوب الأوروبيّة كانت تحت نير الاستبداد والاستعباد والفقر والجهل والأمّيّة.. أمّا شعوبنا، وإن كانت تحت الفقر والاستبداد، إلاّ أنّها لم تكن بهذا السّوء من ناحية العلم، بل كانت الأمّيّة شبه منعدمة عند الذّكور والإناث على السواء..
أمّا الآلات والاختراعت، فرغم استبداد وفساد الأنظمة عندنا، والّذي لم يبلغ فساد الأنظمة الأوروبيّة وقمعها وجرائمها، فقد عملت هذه الأنظمة على الأخذ بهذه الاختراعات كالكهرباء وآلات النّسيج والمصانع ولو على استحياء، ولو بنوع من التّأخّر أو التّأخير..
وإن كان الحال كما هو مذكور، فكيف صارت الأمور بعد ذلك على النّحو المشين الّذي نعرفه؟ وكيف احتلّت هذه الشّعوب الأمّيّة تلك الشّعوب الّتي تحسن القراءة والكتابة؟ وكيف حكمنا شذّاذ الآفاق على علمنا؟
والحقيقة أنّ الجواب عن هذا السّؤال ليس بالأمر الهيّن، وقد خاض المؤرّخون في كثير من جوانبه الفنّيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة.. ولكنّ الجواب الذي يلّخّص كلّ تلك الجوانب هو ما أفنى فيه مفكّرنا مالك بن نبي حياته.. إنّها دورة الحضارة..
لقد كانت تلك الشّعوب الأمّيّة على جهلها وسوء أخلاقها، في حالة فوران حضاري، طامعة للتّسيّد والتّمدّد.. فيما كنّا نحن في حالة من الخمول الحضاري، راضين بما نحن عليه، نقتات على نشوة حضارة أفلت ولم يبق لها من الوجود إلا أضغاث أحلام بلا باعث على الحياة..
هذا الخمول الحضاري، جعلنا لعدّة قرون نعاني ويلات استدمار من شذّاذ آفاق وأمّيّين وجهلة، رغم علمنا ومعرفتنا ورصيدنا..
هذا الخمول الحضاري الذي جعل هذا المستدمر ينتزع منّا جيلا بعد جيل اعتزازنا بأنفسنا وعلمنا ومعرفتنا ورصيدنا، حتّى ظهر من بين ظهرانينا من يسبّ حضارتنا وتاريخنا ولغتنا ويدين بالولاء للمستدمر الجاهل الأمّيّ الأفّاق..

عن التكيف مرة أخرى؟!

عندما حلّت كورونا جديدة علينا، أُغلقت الحانات والملاهي.. وحتّى المقاهي.. وتُبنا إلى الله.. وجرت الدّموع وتحسّرت القلوب لإغلاق المساجد ولسماع صوت المؤذّن "صلّوا في بيوتكم".. وهرعنا إلى بيوتنا نُوصدها.. وارتدينا اللّثام وطهّرنا بيوتنا ولباسنا في اليوم آلاف المرّات حتى تبدّل جلدنا من كثرة الجافيل والكحول..
ومع مرور الزّمن.. واستمرار الوباء.. فُتحت الملاهي والحانات سرّا.. والمقاهي جهرا.. وتركنا بيوتنا وتحلّقنا في الشّوارع وعلى أبواب المساجد المغلقة تحت أصوات الأذان وفي ظلّ قول المؤذن "صلّوا في بيوتكم" التي صرنا لا نسمعها لعُلُوّ قهقهاتنا وضحكاتنا فلا الدّموع تجري ولا القلوب تتحسر.. وتركنا اللّثام وعزفنا عن غسل أيدينا حتى بالماء المطلق..
كلّ هذا والوباء نفسه بل هو أشدّ، والوفيات تدخل كلّ يوم بيت جديد.. فالحالة تشتدّ، ولكنّ الحرص يكاد ينعدم..
إنّه التّكيّف مرّة أخرى.. فالإنسان يثبت لنفسه مرّة أخرى أنّه كائن متكيّف بامتياز.. حتّى مع الوباء والموت..
ولكنّ التّكيّف هذه المرّة تكيّف مرضيّ، تكيّف ليس من أجل البقاء.. بل هو تكيّف كأنّه السُّكر، تكيّف فيه إقبال على الموت.. أو قل معانقة وخضوع له، وهرولة نحو العذاب..
وحالنا في هذا حال من جاءه العذاب وهو يقول.. هذا عارض ممطرنا..!!!
نسأل الله الشفاء للمرضى والعافية والمعافاة للأصحاء..

امتحان القطيع

ممّا أبانت عليه جائحة كورونا لدى كل البشر، أنّنا ممتحنون.. وسواء صدّقنا بهذا الامتحان وأذعنّا له كما هو حال المومنين الصّادقين.. أو كفرنا به كما هو حال الملحدين الضّالّين.. فإنّ الامتحان قائم ومتجدّد ما دمنا أحياء، ومن هذا الامتحان: هذه الجائحة..
وهذا الامتحان له بعدان.. فهو في بعده الجزائيّ فردي، فنحن نُبعث فرادى، ونُحاسب فرادى، ونُجازى فرادى.. وهو في بعده الإجرائيّ جماعيّ، فنحن ممتحنون ضمن محيطنا العائلي والمجتمعي والعالمي..
وهذان البعدان في الامتحان قد أشكلا على كثير من النّاس، فاختلط الأمر عليهم ومنهم من راح يخلط بينهما..
فقد جعل أقوام البعد الجماعيّ على أنه جزائيّ، فراح يميز الحقّ من الباطل بما يُقِرُّّهُ القطيع، وأقول القطيع لا الجماعة، لأنّ الجماعة لها عقل جمعيّ يخاطب العقل الفرديّ بما يمكن أن يصحّح الوضع أحيانا! أمّا القطيع، فهو يخاطب غريزة الانقياد والاتّباع ولزوم الأكثريّة بعيدا عن الحجج والبراهين.. فالنّاس هنا يتقبّلون الوباء أو يرفضونه تبعا لإعلام الشّارع ونزوات العامّة في رفض الحجر وحبّ التّلاحم ونبذ كل أسباب التّباعد والحواجز.. وإذا حاولت إقناع أيّ واحد هنا، فإن الجواب جاهز.. الكلّ يفعل ذلك، وكأنّه يقول.. لن أحاسب على فعلي لأنّه متناغم مع أفعال القطيع..
وهنا يكمن سرّ الفشل في البلدان المتخلّفة عند الحديث عن كورونا.. فمواجهة الجائحة تُركت للقطيع بعيدا عن العقل الجمعيّ للمجتمع والدّولة.. هذا العقل الذي تمثله النّخبة بمؤسّساتها وروافدها الغائبة عن المشهد غيابا اعتباريّا وحقيقيّا أحيانا.. فنحن نرى السّلطات بأنواعها المتعدّدة وحتّى الدّينيّة منها تقرّر الإجراءات بما يهوى القطيع ويحقّق لها الجماهيريّة الشّعبويّة بدل الاستناد إلى رأي العلم والعقل والتجربة والمنطق.. ونجد لغة الخشب هي السّائدة، ونجد الكرة متروكة في مرمى القطيع إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.. والنّتيجة الطّبيعية هي أنّه لا يفعل! والمسؤولية هنا ضائعة.. فالسّلطة ترمي بالمسؤوليّة على القطيع، والقطيع لا ذمّة له لأنّ وجوده اعتباريّ لا محدّد له..
وإذا ضاعت المسؤوليّة ضاع الجزاء.. 

أعلام ومعالم جزائرية: اللغة العربية، أو المعركة الخاسرة..

أعلام ومعالم جزائرية: اللغة العربية، أو المعركة الخاسرة..: تتعالى الصّيحات هنا وهناك حول الّلغة العربية، ويكثر الجدال حول هذه اللغة في عقر دارها..  فمِن مُتَرَبّص بها من الدّاخل بين داع لتعويضها بالع...

كورونا والعوالم الثلاثة

أبان الوباء الذي ضرب العالم عن فئات من النّاس تحدّد موقع كلّ أمّة من الحضارة الإنسانيّة..
الفئة الأولى اشتغلت بتخزين الدّقيق والسّكر والزّيت، وغزت المتاجر والمحلّات، وهذه الفئة هي السّواد الأعظم من كلّ أمّة، وتكاد تكون الوحيدة في بلداننا المتخلّفة.. إنّها الفئة من النّاس الغارقة في عالم الأشياء..
والفئة الثّانية راحت تحاول الحركة في اتّجاهات متعدّدة، فمن البحث عن دواء هنا وهناك، ومن تنظيم الجماهير في مبادرات تطوّعيّة خيريّة، ومن ابتكار حلول للتّعقيم والتّطهير وصنع الكمامات والواقيات.. إنّها الفئة الباحثة في عالم الأحداث.. وهذه الفئة مكمّلة للفئة الأولى في بلداننا المتخلّفة، وقليلة أيضا نوعا ما في البلدان المتقدّمة..
والفئة الثاّلثة استقرأت الوباء قبل وقوعه، وقرأت الأشياء والأحداث عند وقوعها، وهي اليوم تصنع أحداث ما بعد الوباء وتتموقع في العالم الجديد، فهي تحضّر لمشاريع القوانين، وتضع دراسات الجدوى للمشاريع، وتبحث الأحلاف والصداقات والعداوات.. إنّها الفئة القارئة في عالم الأفكار.. وهذه الفئة معدومة في بلداننا المتقدّمة، وقليلة جدّا جدّا في البلدان المتقدّمة..
والحقّ يقال، أنّ لكلّ فئة من هذه الفئات دور لا يستهان به في الأمّة..
فالفئة الأولى هي التي تضمن بقاء النوع، فهي مثال الغريزة الحيوانية لدى الأمة..
والفئة الثّانية هي التي تضمن التّكيّف مع المحيط وتماثل غريزة البقاء لدى الأمّة..
أما الفئة الثّالثة فهي التي تضمن بقاء الحضارة والاستقلال والدّولة والمجتمع.. ولا مثال لها في عالم الحيوان، لأنّها لا تكون إلّا للإنسان..
فمن هنا كنّا نحن في البلدان المتخلّفة نصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، والتّكيف مع الوباء كأفراد لا كأمّة.. وكانت الدّول المتقدّمة، زيادة على هذا، تصارع على الرّيادة وعلى التّموقع في المستقبل كأمّة لا كأفراد..

كورونا وروح المبادرة

روح المبادرة هي مقياس الفعاليّة في أيّ مجتمع، أو هكذا أخبرنا مالك بن نبي رحمه الله. وفي جائحة كورونا، أبانت الأزمة عن مبادرات لدى الشّباب في تصنيع الكمّامات والأقنعة والقيام بحاجيّات الفقراء والمعوزّين.. ولكنّها مبادرات روتينيّة.. محمودة ومطلوبة.. ولكنّها رتيبة لا إبداع فيها..
وفي المقابل، نجد طلبتنا وقد أجبرتهم الكورونا على المكوث في البيوت، أو هكذا نعتقد؟! وفي المقابل، تَحًثُّ الوصاية على مواصلة التّعليم عن بعد، بكل وسيلة ممكنة.. ولكن للأسف، عوض أن يبدع الطّلبة في التّواصل عن بعد، بإيجاد حلول للمشاكل، هاهم يبحثون عن مشاكل للحلول؟
فبالرّغم أن التّعليم عن بعد يمكن أن يتمّ حتى بالمسنجر الذي لا يخلو هاتف طالب منه، إلاّ أنّهم اتّفقوا وبيّتوا النّيّة على التّوقّف التّام تضامنا -حسب زعمهم- مع زملائهم ممّن ليس لهم اتّصال بالأنترنيت..
نعلم أن هناك فقرا كافرا في البلد، ونعلم أن الله قد امتحننا في أرزاقنا كثرة وقلّة..
ولكن!؟.. عندما يتّفق طلبة الإعلام الآلي على إيقاف الدّروس.. عوض البحث عن حلول لبعض من زملاءهم.. فهذا هو الانبطاح وغياب التّضامن وحبّ النّوم والكسلان لا أكثر ولا أقلّ..
إنّ عقولنا وأرواحنا لا تثور ولا تهيج إلا للمطالبة بالحقوق المادّيّة.. ونضحّي في سبيل ذلك بالنّوم والمال والحرّيّة.. ونجد في سبيل ذلك الحلول لكلّ المشاكل..
أما أداء الواجبات.. فهو موقوف على شعرة.. تنقطع لأوّل نسيم يهبّ عليها..
والأدهى والأمرّ، أنّ بعضا ممّا تحسبونه من الواجبات.. هو حقوق! ولكن لا تعلمون..
والله المستعان.

عندما نستعصي على الوباء

تمرّ جائحة كورونا ونحن نِيام.. تمرّ بنا، تخطف الأرواح، وتُعَلِّقُ الأجساد من صدورها.. فلا نرى فيها إلّا أرقاما.. أرقاما للموتى، وأخرى للمصابين، وأخرى لمن شفي.. وكأنّ التّحدي صار بالعدّادات..
لا زال البائع يشقّ البطّيخة ويقضم منها ويناولها للمشتري ليقضم منها أيضا.. ولا زال التّاجر يتناول فنجان القهوة الذي اشتراه خلسة من المقهى المُغلق، ويرتشف رشفة، ثم يعطس في يده، ويمدّها بعد ذلك لمصافحة الزّبون، ويقتطع بها الجبن فيزنه ويُسلِّمُهُ للزّبون، وكلّ هذا بيد واحدة خالية من أيّ غسلة أو تعقيم.. ومازال شباب الحيّ يتجمّعون قبيل المغرب وبعدها والوجه في مقابل الوجه يتحدّثون عن كورونا..
تمرّ الجائحة ونحن لا زلنا نرفع من ثمن السّلعة الأساسيّة لأنّ النّاس في حاجة.. نتمارض في البيت ثمّ نتسابق لإدراج اسمنا في قائمة العلاوات للمجنّدين ضدّ كورونا.. نتباكى على غلق المساجد ونحن نلهو ونلعب وأذان الصّلاة يدوّي.. نلعن الدّاء والفيروس ونلعن الصّين وأمريكا وأوروبا لأنّهم سبب الدّاء، وننتظر في جمود وسكون أن يتعطّفوا علينا باللّقاح، وقبله بالكمّامات..
تمرّ الجائحة والمساجد مقفلة خوفا من العدوى.. والأسواق عامرة مَعصُورَة بالنّاس خوفا من الجوع والفقر.. عدوى وجوع وفقر.. خوف من الدّنيا.. وأمن من الآخرة..
والله المستعان..

شروط النهضة

من روائع المفكّر الجزائري مالك بن نبي، نجد كتابه شروط النهضة. وهو مؤلف معقّد لا تنفع معه القراءة السّريعة ولا الشّاقولية، فهو مليء بالأفكار التي قد تحتاج لمؤلّفات لوحدها لشرحها وتنقيحها.
يتكلّم المؤلف في كتابه هذا عن دورة الحضارة وموقع الأمّة الإسلاميّة منها، وعن خصوصيّة كلّ أمّة في نهضتها.. يشير الكاتب إلى الوثنيّة الحديثة بتقديس الأشخاص والأشياء في الدّين أو في السّياسة.. ويتحدّث وكأنّما يعيش بيننا اليوم عن وهم الشّعب الذي يتحوّل بعصا سحرية من المريض الإجتماعي إلى الرّشيد الواعي بمجرد مطالبته بالحقوق في حين أنّه لا يؤدّي أبسط الواجبات تجاه قضيّته الحضاريّة..
مفاهيم كثيرة: تكديس الأشياء عوض البناء المتّسق.. عناصر الحضارة وضرورة الفكرة الإيمانيّة للتّفعيل.. العلاقة بين الرّوح والعقل والغريزة في تحديد مراحل دورة الحضارة.. دور المرأة الذي لا ينفصل عن دور الرّجل.. التّوجيه وتنقية الثّقافة.. وحتّى الذّوق والجمال والموسيقى.. كلّها مكوّنات تصبّ في مصبّ البناء المنشود..

المارڨ في زمن الكورونا.. أو البغل في زمن الكورونا

صديقُنا المَارڨْ (El mareg، أوالذكي الفطن الذي فهم الحياة) يعتبر نفسه بعيدا كلّ البعد عن الكورونا.. فالحجر الصّحي مَا كَانْشْ مَنَّهْ! هودائما عند عمود الإنارة مع أصحابه ليلا ونهارا.. وعند سماعه صفّارات الشّرطة وتحذيرات عمّال البلدية.. يجيب الكلّ بكلمته الشّهيرة ساخرا من الكلّ "قِيييييوْ"..
صديقنا المارڨ ينتظر قبيل بدء ساعات الحجر، عند امتلاء الدّكاكين.. ليزاحم النّاس ويشتري علبة سجائر وعلبة حلوى.. يقترب من النّاس ليخيفهم.. يتنفّس في وجوههم.. ويشترى الكلام بضحكة صفراء ونظرة استهزاء وتهكّم..
هذا المارڨ يرى النّاس حمقى.. مُوَسوَسِين.. ساذجين..
فجأة.. بدأ المارڨ في السّعال.. وبدأت حرارت جسمه ترتفع.. وبدأ النّفس يضيق في صدره.. وفجأة وجد نفسه في المستشفى.. والطّبيب يسأل زملاءه.. هل هناك سرير إنعاش ؟؟
صادف أن المارڨ هذا وصل إلى المستشفى مع الحاج احمد.. شيخ في السّبعين.. خرج منذ أسبوع مضطرّا لشراء الدّواء بعد حجر في منزله لمدّة شهر.. فاقترب منه هذا المارڨ وسلّم عليه وقبّله على رأسه.. وقال له .. "عمّي احمد! ما يَخَّلعُوكش ڨَاعْ.. مَا كَانْشْ ڨَاع مَنهَا هذاي كورونا" (والمعنى: لا يخدعونك بهذه الكورونا فهي ليست من الحقيقة في شيء).. وترك المارڨ عمّي احمد بعد أن نقل إليه العدوى.. 
في مصلحة الإنعاش.. كان هناك سرير واحد.. فقرّر الأطبّاء إنقاذ الشّاب المارڨ لأنّه مقبل على الحياة.. وتركوا عمّي احمد يلاقي ربّه..
نجا المجرم.. وجُرمُه جُرمَين.. جُرم نقل العدوى.. وجُرم القتل.. وماتت الضّحية مرّتين.. مرّة بتلقّي العدوى بغير ذنب.. ومرّة بحجّة إنقاذ بغل! لأنّه مقبل على الحياة..
كم من بغل بيننا يجول وهو يقتل وهو لا يدري.. وكيف يدري وهو بغل؟؟ وكم من بغل سيتبجّح بعد الوباء بأنّه واجه الوباء والحجر ولم يمت.. والحقيقة أنّه أعان على الوباء ونشر العدوى وتلطّخ بدماء الشّهداء..
وعند ربّك تجتمع الخصوم.

في قلبي أنثى عبرية

بتعبير سهل تتخلله كلمات عميقة موحية. كتبت خولة حمدي رواية بعنوان في قلبي أنثى عبرية. في الوهلة الأولى شدّتني المعلومات التّاريخية التي كنت أجهلها عن تونس الشّقيقة وعن لبنان وما عانته من آثار حربها مع الكيان الصهيوني. 
صورة جديدة يمكن أن ترسم عن اليهود وعن إمكانية معايشتهم للمسلمين في كل أنحاء العالم. وصورة أخرى رسمت تحمل كل معاني الحب واللامستحيل لتعايش الديانات الذي طالما كان في طيّ "المحرمات".
نعم وإن كانت رواية، فهي تعكس أيضا أنه مهما كانت ديانة الفرد، يجب أن تكون عن قناعة ومعرفة لا عن توارث وتقليد! لأنه وبدون شك، فدين الإسلام دين منطق وبراهين تتقبلها العقول قبل الوجدان، دين ينهي ما علق في نفوس بعض البشر من شوائب الدّيانات المحرّفة.

كورونا الطبيعة

Résultat de recherche d'images pour "كورونا خفافيش"كما جعل الله لنا سنّة بيننا سمّيناها التّدافع.. فإنّه قد جعل لنا مع الطّبيعة التي خلقها سننا منها التّسخير والعمارة.. وهذه السّنن لا تتأتّى ثمارها إلاّ إذا تعلّم الإنّسان من هذه الطّبيعة.. تعلّم من سكونها ومن حركتها، وتعلّم من ترياقها ومن سمّها أيضا..
فالإنسان بعمومه، والمؤمن بخصوصه وخصوص خصوصه مطلوب منه بذل العقل وآلته والنّظر وطرائقه لفهم سنن الله في الكون، والبحث عن الأدواء وأدويتها والتّحرز من أسبابها..
من هنا نجد أنّنا قد أخقنا نحن المومنون في فهم سنن الطّبيعة كما أخفقنا في فهم سنن البشر.. وأثبتنا مرّة أخرى أنّنا قد عطّلنا عقولنا وصارت علومنا اجترارا لعلم الآخر بعد انتهاء الصّلاحية طبعا!!
ونجد أيضا أنّ الإنسان قد أخفق أيضا في هذه السّنن عندما وصل بعلمه إلى أدواء في الحيوان والجماد، من خفافيش وخنازير ومجارير.. ثمّ راح يأخذ من هذه الأدواء في طعامه وشرابه وملبسه غير مبال إلاّ بالرّبح الآني السّريع.. فصار الدّاء عضالا أعياه الدّواء..
لقد فشلت البشريّة في الأخذ بالأسباب بعد وصولها إليها.. وفشلنا نحن خصوصا في الوصول لهذه الأسباب أوّلا، ثم تتبّعنا فشل غيرنا في عدم الأخذ بها بعد أن وصل غيرنا إليها..

كورونا الامتحان

Résultat de recherche d'images pour "خلطة للعلاج"إنّ أيّ فيروس ولو كان أقلّ شهرة من الكورونا هو امتحان للبشريّة ولقدراتها على عمارة الأرض والتّكيّف مع هوائها.. وهو امتحان للأمم حول مقدار مساهمتها في الجهد البشري والحضارة الإنسانيّة.. وهنا يمكن أن نرى جليّا الفرق بين الأمم..
فخلف بحار الموت، نجد المخابر والعلماء وآلات البحث والدّراسة.. نجد علوما ومعارف تتقصّى أخبار الفيروس وتطارد بصمته وخريطته الجينيّة بحثا عن العلاج والاحتواء والمصل..
وهنا.. عند شواطئ شهرزاد أين حكايات العشّاق وأساطير السّندباد، نجد إيمان الأغبياء وتقوى العجزة.. تواكل من غير توكّل.. وبحث عن دواء القرن في قصاصات القرون الأولى.. فهذا زنجبيل.. وهذا سانوج.. وهذا ملح على كمّون على فلفل.. خلطات للسّلطات وقد صارت علاجا للكورونا!!!.. دون أن ننسى مكافحة الكورونا بالطّاقة وتوجيه الكواكب السّيّارة والطّيّارة!
هذا هو الامتحان الذي لا ضرورة لإعلان نتائجه.. وربّما الإدّعاء أنّنا معنيّون بالامتحان أصلا لا يجوز وهو سفه وتطفّل..

كورونا الفتنة

Résultat de recherche d'images pour "كمامات"ممّا أبان عنه كورونا في العالم ذلك البون الشّاسع بين المدنيّة والهمجيّة.. ففي حين تصدّت الدّول المادّيّة اللّادينيّة لهذا الوباء بسكينة ونظام، فرأينا طوابير رصينة عند الأسواق، وشاهدنا هذه الحكومات المادّية توزّع الكمّامات والمطهّرات مجّانا على مواطنيها وغير مواطنيها.. ورأينا كيف تأدّب مواطنو هذه الدّول اللّادينية بآداب النّظافة والامتناع عن السّلام والمصافحة وتجنّب التّجمعات وغلق الرّحلات حفاظا على الصّحة العامّة..
من الجانب الآخر الذي نحن فيه! صُعِقنا في بلدنا المسلم الملتزم المتخلّق اللّامادّي بأسعار الكمّامات وقد تضاعفت أربع مرّات في يوم واحد.. ثم فُقدت تماما من السوق؟! وصارت بالمعريفة!! ورأينا أسعار السّلع الاستهلاكية تزداد وتزداد ولم يبلغنا الفيروس بعد.. ونرى النّاس يبوسون بعض ويعطسون في وجوه بعضهم البعض ويَتَدَاوَرُون بينهم السّجائر وفناجين القهوة و"كَالَات" الشّمّة والفيروس قد أبان رأسه وحطّ رحاله! وفوق هذا وذاك استأنفنا الرّحلات مع الصّين المصدّر الأوّل للفيروس..
والعاهة فوق هذا وذاك.. أنّنا نجد هذا طريفا مرحا ومثيرا للسّخرية والضّحك.. كلاّ يا سادة! إنّها الفُروق المنطقيّة الأزليّة بين المدنيّة والهمجيّة.. بين الحضارة التي فقدناها ونحن بعيدين عن استعادتها، والبدائيّة الّتي صُدِّرت لنا فرضعناها وأرضعناها أبناءنا..

كورونا البلاء

Résultat de recherche d'images pour "الفيروس"لا يختلف اثنان ممّن أنعم الله عليهم بنعمة العقل أنّ كورونا وغيره من الفيروسات من البلاء! وأنّ البلاء يقع امتحانا وعقابا.. وأنّه يرفع بالدّعاء والصّدقة..
فلماذا يشمئزّ البعض من هذا الكلام؟ أولسنا في زمن من أقبح الأزمان فجرا وعهرا عبر التاريخ؟ أليس الشّذوذ صار مباحا حلالا في أغلب بقاع الأرض.. وصار مسكوتا عنه عند الباقي.. أليس الرّبا وأكل أموال النّاس ظلما من أرباب البنوك وأرباب المال وأرباب السّلطة صار اقتصادا وسوقا وتجارة عند المسلمين والكافرين على حدّ سواء ؟ أليس حقّ الوصول إلى المرأة صار مكفولا بالدّساتير والقوانين والأعراف؟ وبعد كلّ هذا نقول لما العذاب ولما البلاء؟
لقد جرّت العولمة الحيّز الفردي على الجماعي، وخلطت النّفس بالأهل والأصحاب، وردّت قضايا الأمّة إلى الأفراد وحاجيّات الأفراد إلى الأمّة حتّى صار الفساد طريقه أسهل من طريق الإصلاح لأنّ الشّهوات الشّخصية والجمعية قد تكاثفت واتّحدت وأزّت بعضها بعضا، وأمّا الإصلاح فإنّه قد بقي على حاله في فضاءات متعدّدة وكلّ واحد ينأى بنفسه عن الآخر ويرى الإصلاح فيه هو لوحده..
إنّ أكبر رجوع إلى الله هو أن نحارب الفساد جمعا كما يحاربنا جمعا.. فيجتهد كلّ منّا بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في حيّزه دون أن يسفّه مصلحا في مضمار آخر أو قائما على ثغر ثالث..

حالها كحال الضيف !

دخل رجل إلى بيت ليس يملك منه شيئا.. وراح يتجوّل في هذا البيت وينتقد هذا الجدار وهذا الباب وهذا السّجّاد وهذه الطّاولة وهذه الناّفذة.. ثمّ أنّه سأل إن كان له أن يغيّر كلّ هذا.. فقال له مالك البيت إنّ هذا البيت ملك لي فهل تُقِرُّ بهذا ؟ فأقرّ الزّائر وقال نعم ! البيت لك.. ثمّ إن مالك البيت قال للزّائر إنّ بيتي لا يغيّره غيري، فلك أن تعيش فيه كما شئت، يأويك من الحرّ والبرد، ولك أن تأكل ممّا فيه أيضا، ولكن لا تغيّر منه شيئا... فراح الزّائر بعد كل هذا وفي يده المعول يهدم من الجدار نصفه، ويغلق هذه النّافذة ويخلع هذا الباب.. فما حكمكم على هذا الزّائر ؟
إن حال المرأة التي أمّت المصلّين في فرنسا وخطبت فيهم كحال هذا الزّائر.. دخلت الإسلام وهو لله وحده، فراحت تغيّر فيه وتنتقي من أحكامه ما يروق لها وتغيّر ما لم يوافق هواها.. فلا هي رضت بالإسلام كما أنزله الله إلينا وأسلمت! ولا هي تركته ومضت لحال سبيلها.. أليس هذا ظلما مبينا ؟

إلى ماليزيا: قيمة العمل

بعيدا عن السّياحة والملذّات والتّرفيه، أودّ الإشارة إلى ظاهرة يطّلع عليها المسافر إلى ماليزيا، وقد لمسناها أيضا في بلدان أخرى، اللّهم إلاّ بلدنا العزيز! ألا وهي تجلّي قيمة العمل في عموم الشّعب، فالنّاس منشغلون عن تتبّع بعضهم بعضا أو التّعدي عليك أو على الآخرين بنظرات مندسّة أو تحرّشات عدوانيّة لأنّهم منشغلون بأعمالهم حريصون عليها، فالباعة مشغولون بعرض بضائعهم وتزيينها واقناع السّيّاح بها من فتح المحلاّت إلى إغلاقها.. ونوادل الفندق مشغولون بالزّبائن.. وعمّال النّظافة لا يفترون عن العمل.. وهكذا حال السّواد الأعظم إلا النّذر اليسير.. فقيمة العمل تلمسها في تفاني العامل البسيط على النّظافة والخدمة في إتمام عمله وإتقانه كما تلمسها في حرص المدير وصاحب العمل على تتبّع تفاصيل شغله وإرضاء زبونه وإخراج منتوجه على أكمل وجه.. وتلمسها أيضا في معروضات السّوق التي بها درجات من البضاعة من المستوى الاقتصادي البسيط إلى المستوى الفاخر الفخم مرورا بكلّ المستويات تلبية لسعة كل جيب وحساب على عكس ما نلمس في بلدنا للأسف من تردّي البضاعة كلّها من رخيصها إلى غاليها..

إلى ماليزيا: الفندق

دون الخوض في التّفاصيل، ودون الإعلان المجّاني للفندق الذي أقمنا فيه، أحببت أن أنوّه إلى طراز فريد من الفنادق لم أعهده في بلادنا ولا حتى في عالمنا العربي.. إنّه فندق ومركز تجاري ومدينة ألعاب في نفس الوقت.. فهو طوابق شامخة في الهواء، أول تسع طوابق منها مول تجاري ضخم يغنيك عناء التّنقّل خارج الفندق للتّسوق أو تغيير العملة أو الأكل حتى!!.. وبه أيضا مدينة ألعاب! نعم مدينة ألعاب وليس مساحة للّعب، بل مدينة ألعاب ضخمة بها أفعوانيّة ضخمة مخيفة وعجلة دوّارة وألعاب أخرى.. دون أن ننسى ما بالفندق من صالات للرّياضة ومسابح ومطاعم أيضا..
هذه هي السّياحة لمن أراد أن يكون بلده سياحيّا، توفير كلّ شيء في كلّ مكان، حتى لا يضيع وقت السّائح بالبحث ويشتغل بصرف المال وبذل النقود فقط!!!

إلى ماليزيا: مدينة بوتراجايا

وفي المساء، وعلى طريق المطار، توقّفنا عند مدينة بوتراجايا، العاصمة الإداريّة.. وكانت لنا فرصة الصّلاة في مسجدها الورديّ أو الأحمر، ذو البناء الفريد المحاط بالمياه وكأنّه على جزيرة عائمة، وتقابله ساحة شاسعة يقصدها الماليزيّون فرادى وعائلات مساءا للرّاحة واللّعب، ويقابله أيضا مقرّ الحكومة وهو تحفة معماريّة أيضا.. والعجيب في الأمر أن مقرّ الحكومة هذا مرئيّ للعامّة بدون حواجز إسمنتيّة أو فرق مدرّعة أو قوات خاصّة وعامّة، بل هو كأيّ إدارة عامّة محروسة دون بهرج أو هستيريا أمنية، ممّا ينشر رسالة سامية عن التّواصل بين الحاكم والمحكوم وقرب المسافة والأمان متبادل..

إلى ماليزيا: مدينة الألعاب المائية

في اليومين الباقيين من الإقامة، تمتّعنا بألعاب المدينة المائيّة الضّخمة (Sunway Langoon) وهي قمّة في المتعة والتّرفيه للأطفال والبالغين على حدّ سواء لمن أراد التّسلية أو اختبار حدوده في المجازفة والأحاسيس القويّة! ومدينة الألعاب هذه مدينة صناعية فهي ليست موردا طبيعيّا! وهي دليل آخر على الرّغبة في تحقيق الموارد واستغلال السّياحة في رفع مداخيل البلد. والمدينة تستحقّ هذه التّسمية بامتياز، فهي مساحة من الألعاب المتنوّعة بين مائيّة ومجازفة وملاهي، ومطاعم ومقاهي ومساحات للرّاحة والاستجمام، وحديقة حيوانات بها النّمور والأسود والفهود والطّيور بأنواعها، وشطّ اصطناعي وملاهي صغيرة للأطفال، ومساحات للعروض والصّور، ومضامير للسّيارات الصّغيرة والدّرّاجات الرّباعيّة..

إلى ماليزيا: السّافاري في أفاموسى

لم نستمتع كثيرا بهذه المحطّة، ربّما لأنّ المجموعة كانت كبيرة جدّا فوّتت علينا الاستمتاع بإطعام النّمور التي رفضت الاقتراب للإطعام، غير أن الجولة السّريعة على ظهر الفيل كانت تجربة ممتعة لا تُنسى رغم قِصَرِها.. أمّا عروض الكاوبوي فقد أثار اهتمام الأطفال أكثر.. وعرض الحيوانات المختلفة لا بأس به أيضا.. ولشساعة الحضيرة تعذّر علينا الاستمتاع برؤية كلّ الحيوانات لأنّنا كنّا مشغولين بالجري للّحاق بالدّليل وعدم تفويت البرنامج المُسَطَّر..

اكتب لكي أراك: مدونة للكتابة العلمية

إلى ماليزيا: لانغكاوي

ضمن الرّحلة إلى ماليزيا، سافرنا إلى أرخبيل لانغكاوي السّاحر، المتكوّن من 99 جزيرة.. هي جوهرة حقيقيّة للسّياحة والاستجمام، من شلاّلات طبيعيّة، والمصعد الهوائي الشّهير الذي يصعد بك إلى قمّة ترى من خلالها الجزيرة وحتى الأراضي التّايلانديّة، وحديقة التّماسيح أين يمكنك رؤية التّماسيح على الطّبيعة والاستمتاع بعروض مشوّقة هناك، ورحلة بحريّة على متن قوارب سريعة إلى جزيرة القردة وجزيرة العذراء الحامل مع بحيرتها المغلقة ذات المياه العذبة، دون أن ننسى شواطئها الخلاّبة الرّائعة..
كما يمكنك التّسوق وشراء الهدايا من سوق المنطقة الحرّة هناك بأسعار منخفضة جدّا مقارنة بكوالا لامبور..