الأكبر والأوسع والأضخم !!!

ليس بالحجم ولا بالعدد! متى نتعلّم أنّ الجوهَر أهمّ من العَرَض.. أكبر جامع في العالم بعد الحرمين، وأكبر جامعة في القارّة وأكبر ملعب في البلاد.. ومع كلّ هذا، أكبر حماقات في التّاريخ وأكبر خيبة في القارّة وأكبر هَبَلٍ في الوجود!! أن تبني العمارات والبنايات والملاعب ليس تحدّ في وقتنا الحاضر، فلن تُنافس برج خليفة أو ملعب الدّوحة أو المسجد الحرام.. وإذا أردت فيكفيك التّوجه إلى كبرى شركات الإعمار لتبني لك ما تشاء وأين تشاء..عليك بأكياس الذهب وفقط! ولكنّ التّحدي الكبير الذي فشلنا فيه هو بناء الإنسان.. فما جدوى أن يبني لك اليابانيّون والبرازيليّون جامعات ضخمة بوسائل هائلة إذا كان إنسانُك الذي سيدرُس فيها سيُحطّمها ويكسر أبوابها ويُشوّه منظرها.. وإنسانُك الذي وَكَّلتَه لكي يصونها ويحفظها سيعيث فيها فسادا وإفسادا كالقرد السّكران في مزرعة الموز.. بترقيعات وتحويرات وسدّ للأبواب والنوافذ وحفر في السّاحات والقاعات والمدرّجات.. 
وبعد كلّ هذا، لا زلنا نُبذِّر الحديد والإسمنت والآجر لبناء تحف معماريّة مشوّهة قبل أن تُسَلَّمَ حتّى بسبب الغش والاختلاس والذّوق البشع.. ويزيدها السّاكن والعامل والطّالب تشويها بالتفعيص والتعفيس والفتح والغلق والطلاء والحديد..
ليست العبرة بالبحث عن مصادر التّمويل للبناء وبذل الجهد في التّصميم والتّخطيط وسنّ القوانين عن المعمار والبناء والمطابقة.. العبرة ببناء الإنسان وتخطيط فِكرِهِ وتصميم عقله.. وبعد ذلك سيتجمّل المحيط لوحده، وتظهر الأرقام والأحجام والأعداد لوحدها دون أن نسعى لها..

عُري العقول

العُري خطيئة والتّبرج والسّفور ذنب عظيم، ويحقّ للمجتمع أن يضغط بما يقدر كي يدفع من أجل الحشمة والحياء والأدب... ولكن! ماذا لو دفع المجتمع إلى ذلك، واعتبر السّفور جريمة، وثارت ثائرته لساق مكشوفة هنا أو نحر متحرّر هناك، ولكنّه مجتمع يرى في الكذب والرّشوة والرّبا والسّحر الـمُجَمَّل بالرُّقية الشّرعية والقتل والجرح والسّرقة.. يرى في هذا كلّه ذنوبا يغفرها الله، من الصّغائر التي لا يجب الوقوف عندها، ويسامح فيها قبل أن تقع لأنّه كلّه واقع فيها؟؟؟
النّتيجة من هذا هو مجتمعات كحال مجتمعات البلاد الإسلاميّة في وقتنا الحاضر.. تديّن زائف، وسفور وقح عدوانيّ، وتجبّر طغيانيّ لأعداء الدّين، وقصور في وصول تعاليم الشّرع إلى النّخبة.. النّتيجة هي تديُّن هستيريّ يهمّه المظهر الذي يجعلنا شيوخا قبل الحقيقة التي تجعلنا عبادا ومومنين.. النّتيجة هي طقوس بروائح المسك ونعومة الدَّفَّة ومكيّفات الحرم ودموع الكاميرات جعلناها أهمّ من قيام اللّيل سرّا، وأهمّ من الصّيام بعيدا عن الإعلان، وأهمّ من أكل الطّعام البائت حتى لا يُرمى، وأهمّ من دعوة السّكير والعِريانة والمُلحد بدل سبِّهِم وشتمهم لكي نُظهر نقصهم فنكبُرَ في عيون النّاس باستصغارهم واحتقارهم.. النّتيجة حجّاج بالملايين، وداعُون بالملايير، وذلّة واستكانة ومهانة ليل نهار من شرذمة قليلة... النتيجة غثاء كغثاء اليل.. فالله المستعان!!!

إلى حاسدي.. مرة أخرى

أيها الحسود، انتبه لنعم الله عليك فهي أكبر ممّا تحصيه وأكثر مما تتوهّم.. واعلم أنّك عندما تعيّرني بنقص تراه فِيَّ أو نعمة تراها قد زالت عنّي أو حُبِسَت عنّي، فإنّك إنّما تعيب على الله قسمته فلست الـمُـنعِم بل الـمُنعَمَ عليه، وليس الإتيان والمنع إلاّ من الخالق وليس للمخلوق فيه شيء!
وأنت أيضا بتعييري إنّما تعبّر عن نقص فيك مقابل نعمة أخرى عندي، وأعيد عليك القول إنّ ما بي من نعمة فمن الله، ولا أُظهِر هذه النّعمة إلا حمدا لله وشكرا له، وليس في هذا الإظهار لك نصيب أو حظّ! فلستُ أراك أو أنتبه إليك.. وليس ذلك من كِبَرٍ أو حسد، إنمّا لشغلي بما فِيَّ واهتمامي بذنوبي التّي هي أخطر على نفسي منك ومن غيرك..
فنصيحتي لك أن تلتهي بما فيك، وتشكر الله على نعمه ليزيدك لا أن تعيّر النّاس بفقدها فليس لك من الأمر شيء إن كنت من العاقلين..

نعم الانتقام

عندما تقصدني في مصلحة، وتكون هذه المصلحة غير شرعيّة أو غير قانونيّة، فلا تندهش إذا رفضت ذلك، ولا يجوز لك أن تهجرني أو تخاصمني في ذلك! بل وعليك أن تشكرني لتكبّدي عناء المداراة وبذل الجهد للبحث عن الرّدود اللّبقة والمهذّبة والتّهرب بلياقة وأدب!!.. عوض إسماعك ما لا يرضيك أو رميك بما تطاله يدي، بسبب ظنّك المشين بي واعتقادك أنّي فاسد مثلك!!؟
ولا يحقّ لك بأيّ وجه من الوجوه أن تعتقد أنّي برفضي قضاء حاجتك في غضب الله وخرق القانون هو لحقد أو لحسد أو لشرّ دفين فِيَّ أو لكرهي لك ولبغضك!! ولست بذلك أقطع رحمي أو أُخلِي محيطي من الأحباب أو أعزل نفسي وأُهلِك نفسي بالدّفع بالسّيّء عند من قد أحتاجُه يوما لقضاء حاجة أو تسوية مصلحة ما.. ليس هذا من الحقيقة في شيء!!!
واعلم أنّك إذا منعتني حقّي يوما أو عطّلت حاجة لي فيها صلاح أو خير في يوم ما، فإنّك قد خرجت من دائرة الفساد إلى الإفساد.. فبعد أن منعتُ عنك ومنعتُك من الفساد يوما، ها أنت تُفسد في الأرض اليوم بإغلاق أبواب الخير عوض فتحها، وفتح أبواب الشرّ عوض غلقها.. فحاجتك كانت فاسدة، وحاجتي عندك حقّ وخير وصلاح..
وإذا أردت الخير حقّا، فلك أن نتصحني وتبيّن لي وجه الفساد في حاجتي إن رأيت فسادا، ولك أن تسعى بذلك عند من ينصحني ويردّ بي، وإذا تبيّن لي الحقّ فسأرجع إليه أو أكون فاسدا ومُفسدا وقد حقّ علي الهجر والقطع.. أمّا أن تمنعني حقّي لأنّي منعتك حيفا وجورا وظلما.. فلعمري ذلك هو الظّلم المبين!!

فتوى وفتوى

تعوّد أحد معارفي على قصدي للاستفسار عن بعض الإشكالات الفقهية بين الحين والآخر.. وبين الإجابة والإحالة تنوّعت ردودي على مرّ الزّمن.. وكم كانت دهشتي حين لاحظته يسأل عن تفاصيل تنمّ عن شغفه وحرصه على الحلال والحرام، أسئلة في الفضائل والمندوبات وعن المكروهات وحتى خلاف الأولى.. وليست الدّهشة هنا، إنّما الدّهشة عندما رأيته يقع في أفعال فيها بعض الحرام البيّن، وبعد السّؤال عنها، يخبرني أنّه أفتى لنفسه لأنّ الأمر بيّن، ولا يحتاج للسّؤال..
من هنا يتذكّر كل واحد منّا أناسا يتتبّعون التّفاصيل والدّقائق في السّنن والفضائل بالسّنتيمتر والميليمتر، ويتوّرعون عن أفعال هي من الخلافيّات ومن واسع الشّرع قبل الاستفتاء وطلب المشورة والنّصح!.. أمّا عندما يتعلّق الأمر بهوى في النّفس، وشهوة كامنة، فإنّ الأمر يصبح جليّا واضحا لا يحتاج إلى استفتاء ولا استقصاء، ولو كان فيه قطع أرحام أو إثارة عصبيّة أو إيذاء مؤمن..
جميل أن نتورّع في الفضائل، لكنّ التورّع في الفضيلة لا يغني عن فعل الحرام ولا من ترك الواجب شيئا..
نسأل الله الهداية والعافية للجميع..

الثقافة المعلّبة

كما أنّ الأكل المُعَلَّبَ غير صحّيّ وغير نافع ولا تتحقّق منه التّغذية السّليمة وهو مصدر الأمراض والعلل الكثيرة.. فإن الثّقافة المعلّبة أيضا غير صحّيّة وغير نافعة ولا تتحقّق منها التّغذية الفكرية السّليمة وهي مصدر الأمراض والعلل العقلية والنّفسية والفكرية..
فالثّقافة المعلّبة الجاهزة مليئة كما هو الأكل المعلّب بالموادّ الحافظة المُسرطنة التّي تجعل المنتج في ظاهره يدوم ويدوم ويدوم وهو في باطنه سمّ يتفاعل يوما بعد يوم لتخريب المادّة المغذّية القليلة النّافعة فيه.. وهي مليئة بالنّكهات الإصطناعية التي تحسبها غذاءا طبيعيّا كاملا وهي محفّزات مخبرية تجعلك تعتقد أن المادّة علميّة ونافعة وصحيحة، وهي زيف وزور وبهتان.. وهي مليئة بالملوّنات التي تنجذب إليها وترتاح لها العين والنّفس وهي في الحقيقة مكياج لمادّة لا لون ولا ريح ولا طعم لها بل هي مسخ وعدم وهراء..
كم تُسَوِّقُ لنا الأنترنيت ووسائل التّواصل من أفكار ومعلومات معلّبة نستهلكها ونعيد نشرها ونؤمن بها حتى صارت من المسلّمات وهي في حقيقة الأمر جراثيم وفيروسات تنخر عقولنا وأنفسنا وتزيد على جهلنا البسيط جهلا مركّبا هو أشنع وأفظع..