كلوا عنب !!!!

عادة ما أستمع لإذاعة القرآن الكريم في مذياع السّيارة، وهذه المرّة وقعتُ على حصّة لست أدري ماهي؟.. فهمت أنّها تتعلّق بالتّغذية والأطعمة والصّحة عموما.. ولا ضير في ذلك.. فكم نحن بحاجة لتقديم نصائح عن الأكل الصّحي ومقدار الصّحة والمرض في الوجبات والأطعمة والأشربة المتنوّعة.. وقد كان موضوع الحلقة عن العنب.. وكنت أتوقّع أن يكون المحتوى عن فوائد العنب وفيتاميناته ومكوّناته وما يؤدّيه في الجسم عند تناوله..
لكن !! أن نُقدّم حصصا في إذاعة القرآن عن العنب كعلاج.. وأن نقول للمستمع أن الغذاء يعوض الدّواء.. وأن نُفهِمَهُ أنّ تناول العنب جائز حلال لمرضى السّكري والضّغط وأنّه لا يُنافي أيّ مرض.. بل ويُعالِجُه.. دون أن نحترز من ذلك بالتّوجيه للطّبيب وأنّ الفاصل في ذلك كلّه مراجعة الطّبيب المختص.. فهذه جريمة وليست مجرّد هفوة من مُعِدّ أو مُقدِّم أو مُحرِّر..
والأكثر جُرما أنّ تقديم حصّة كهذه في إذاعة تحمل اسم القرآن الكريم ما هو إلا مسمار آخر في نعش ما نسمّيه الإعلام الهادف.. الذي حوّلناه من إعلام هادف ينشر الفكر الصّحيح القويم إلى إعلام مشوّه ينشر الخُرافة والدّجل باسم الدين (ولست هنا أخصّ إذاعة القرآن التي نُكِنُّ لها كلّ التّقدير والاحترام بل أوجّه كلامي لكلّ قنوات الطّيف الدّيني).. وأخشى ما أخشاه يوما أن تقدّم هذه الإذاعة الدّجالين والمُشعوذين وعَقدَاتِهم وخَلطَاتِهم ورُقياتِهم الّتي ما أنزل الله بها من سلطان..
اتّقوا الله فكم من مريض يستمع إليكم وربّما خالف رأي طبيبه بمنع العنب والتّين والتّمر إلى رأيكم الّذي قد يراه أصلح لثقته فيكم فتزيد علّته ويزيد مَرَضُه..
والله المستعان والهادي إلى سواء السّبيل.

الركود والجمود... الرقاد وبيع البلاد

إنّ من أُولى أبجديّات أيّ علم أو فنّ أو ثقافة عدم الجمود وعدم الرّكود والتّحرك.. ذلك أنّ الوقوف معناه التّأخر لأن الآخرين لا يتوقّفون بل يُواصلون مسيرهم، ومتى توقّف الجميع، فاعلم أنّها السّاعة وفناء الدّنيا..
وإذا أسقطنا هذا على مجتمعنا نجد أنّ ما نعيشه هذه الأيّام من تناحر فكري وعاطفي ولفظي مردُّهُ إلى الجمود والرّكود الذي نسّميه عندنا "الرّقاد وبيع البلاد"..
فلو أنّنا طوّرنا لغتنا العربية واستعملناها في علومنا وتَعَلُّمِنا، وعلّمناها أولادنا، وغنّينا بها حتى!.. لما تجرّأ الحثالة على سبّها ونعتها بالتّخلف وربطها بالعرق والجنس وربطها ببلادٍ ليس لها حظّ منها إلاّ كما لنا أو أقل..
ولو أنّنا أولينا ديننا الأولوية في التّربية والدّعوة واقتحام ميادين العلمانيين والملحدين والتّعريف به بدل التقوقع خلف عباءات نظيفة أنيقة على كراسي المساجد المزخرفة والمكيّفة وخلف كاميرات عالية الدّقة لما تجرّأ السّفلة والسّفهاء على سبّ الدّين ونعت الحجّ بالوثنية..
ولو أنّنا أعطينا تراثنا حقّه وحقّقنا تاريخنا وهيّئنا معالمنا وعرّفنا بها العالم وابتعدنا عن ربط الأمازيغيّة بكلّ الخرافات والأساطير والنّظريّات "الخُنفُشَارِيَّة" الّتي ما أنزل الله بها من سلطان لما تجرّأ الجهلة على ركوب موجة المستدمر الفرنسي بإنكار التّواجد البشري في هذه الأرض منذ التّاريخ القديم..
ولأنّنا لا ننتج شيئا ولا نتقدّم قيد أنملة نحو المستقبل، لا همّ لنا إلاّ البحث في الخرافات والأساطير وضعيف الأقوال في الدّين واللّغة والتاّريخ لنَلُوكَهُ بألسنتنا عندما نُفيق من سباتنا بين الفينة والأخرى.. على أنّ هذا الفواق ليس للعمل لا سمح الله!.. بل هو إمّا للأكل أو للاستفراغ...

سيأتي عليك زمان..


سيأتي عليك زمان ترى فيه دنياك وقد تبدّلت وتحوّلت وصارت غير الدّنيا.. ستذكر عمًّا أو خَالًا أو عمّة أو خالة كنت تتحاشى لقياهم وتتكاسل عن  زيارتهم وتتأفّف من قدومهم إليكم.. ستذكر إخوانا وأخوات كنت تقاطعهم وتهجرهم وتشكوهم إلى القريب والبعيد.. ستذكر أبناءًا كنت شديد الغضب منهم وتتمنّى لو لم تُنجبهم.. ستذكر أبا أو أمّا كنت تنهرهم وتتضجّر منهم ومن كلامهم وفُضولهم وحبهم لك.. 
سياتي زمان.. وقد رحل من هؤلاء من رحل.. إمّا لدار الخلد أو لمنازل أخرى في هذه الدّنيا.. وقد بَدَّلُوا دارك بأخرى وألِفُوا أحباباً غيرك..
سيأتي زمان لن تنفعك صورة لهم تضعها هنا أو هناك.. ولن تنفعك رنَة هاتف بصوت هذا أو ذاك..
لن يبقى لك من دنياك إلّا أطياف..
عندها ستذكر الأجساد وتقول يا ليتني ما قُلت ولا فَعلت.. يا ليتني أدَّيت ووفّيت..
عش دنياك مع الأحباب.. قبل أن يصيروا أطيافا وذكريات..

وقرن في بيوتكن

استمعت لخطبة الجمعة في هذا اليوم والأسى يتملّكني وأنا أُصغي للإمام وهو يفسّر بعض آيات الله ليستنبط منها أنّ المرأة لابدّ لها أن تمكث في البيت وأنّ خروجها مفسدة للبيت والزّوج والأولاد والمجتمع والناس..!! وتذكّرت قولا للإمام محمّد الغزالي رحمه الله، يَحكي عن طائرة صهيونية أُسقطت أثناء الغزو على مصر، وقد وجدوا طيّارَها امرأةً حامل؟!.. يقول ويتعجّب كيف أنّ نساء العدوّ يقُدن الطّائرة وهنّ حوامل، ونحن في مجتمعاتنا المتخلّفة لا تخرج المرأة من بيتها إلاّ لبيت زوجها أو للمقبرة!
متى نُطهّر خطابنا الدّيني ونسموا به فوق عُقدنا النّفسية.. إنّ المرأة من صدر الإسلام إلى قُبيل دخول المُحتلّ الغاشم إلى بلداننا وهي بجنب الرّجل تُعَلِّمُ وتَتَعَلّم وتُتَاجِر وتَحضُرُ الحروب والغزوات.. ولكنّ الأمور انقلبت رأسا على عقب عندما تغلغل السّم الغربي المسيحي إلينا أثناء الفترة الاستدمارية المشؤومة التي جعلت المفاهيم عندنا عوجاء عرجاء في كلّ شيء، وبدل أن ننفُض عن أنفسنا تلك المفاسد بعد أن أخرجنا المستدمر، عَضَضنَا عليها بالنّواجد وألبسناها لباس الشّرع والفقه بهتانا وزورا..
عندما كنّا رجالا مجاهدين صوّامين قوّامين، كان نساؤنا يحملن السّيف ويحملن الدّواة عالمات مجاهدات.. وعندما صرنا متعطّرين متزيّنين نبحث عن المرأة الثّانية والزّوجة الرّابعة، صارت نساؤنا إمّا عورات مكشوفة أو مسوخاً مطموسة.. إلاّ من رحم ربّي وهو المستعان..

الذبابة والثور والحرث

إنّ من بني جلدتنا مَن حالُه كحال الذّبابة التّي وقفت على قرن ثور عند الفجر وقد جاء صاحبه ليخرج به لحرث الحقل.. وقُبيل الغروب، عاد الثّور إلى الحظيرة وعلى قرنه ذات الذّبابة.. وعندما سألتها صويحباتها عن سبب غيابها طول النّهار.. قالت نافشة روحها مُتَشَنكِحَةً مُتَفَرعِنَةً.. كنّا نحرث الحقل؟!.. ولصغر حجم عقول الذّباب.. رأين غبار الأرض عليها فصدّقنها وعاشت بلقب "الذّبابة حارثة الحقل"..!..!.!
والحقيقة أنّ هذه الذّبابة لم تحرّك ذرّة تراب في الحقل!.. والثّور لم يشعر بوقوفها على قرنه ولن يعلم يوما بوجودها.. أمّا الفلّاح فهو لا يُقِرُّ للثّور أصلا بأي فضل في حرث الأرض فكيف يقيم للذّبابة وزنا..
هكذا حال بعضنا للأسف.. تتجاوزه الأحداث وهو واقف عندها.. فيقول فعلت كذا وسَوَّيتُ كذا وقُمتُ بكذا.. وهوليس سوى ذبابة على قرن ثور..

عندما يفقد الإعلام رسالته..

لقد أسكرنا التّلفزيون وأسكرتنا السّينما برسالة الإعلام ورسالة الفنّ ونبل هذه الرّسالة وعِظم تلك الرّسالة.. ولكن، عندما ترى مسلسلا فكاهيّا يُبثّ في رمضان وفي ساعات الذّروة، وموجّها للعائلة بصغارها وكبارها.. تُستعمل فيه ألفاظ مثل "البايرة" والتّي تعني في الدارجة الجزائريّة المرأة "العانس".. تُستعمل هذه الألفاظ في وصف إحدى شخصيَات المسلسل في سياق الدَعابة والفكاهة.. ولا يتمّ التّنويه للخطأ أو تصحيحه أو تقويمه في سياق الدّراما أو في سياق العمل أو التعليق عليه في السّيناريو بل يتمّ التّأكيد عليه.. فنحن نطبع في عقول صغارنا أنّ هذا اللّفظ جائز استعماله ومقبول إطلاقه على بناتنا وأخواتنا.. وهذه هي الطّامة الكبرى.. وهذه هي رسالة الإعلام الجزائري..!!