طوفان الأقصى.. المعلّم

علّمنا طوفان الأقصى أننا لسنا بدعا في التاريخ.. ولا خارج بحر الأحداث على مرّ السّنين والأزمان..

لقد توهّمنا أنّ الذّلّة والمسكنة التي ضُربت علينا وعلى حُكّامنا ومن قبل ذلك على عقولنا وأفكارنا وحتى أحلامنا، توّهمنا أنها سرمديّه أزليّة أبدية..

وتوّهمنا أن علاقه الاستعباد والخنوع التي تربطنا بالعالم الغربي إنّما هي قضاء وسنّة وطبيعة راسخة جامدة محتومة.. لا رادّ لها ولا مغيّر لها..

لقد توهّمنا أنّ أيّ إراده للتّغيير والتّبديل ورفع الظلم، إنّما هي شطحة خيال أو لوثة جنون أو ضرب من الخيال..

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. ليعلّمنا أنّنا من نصنع التّاريخ بأيدينا وأن التّاريخ وإن كان قدرا محتوما من عند الله فقد جعل الله لنا سُنَنًا لنكسب بها أفعالنا ونصنع بها أمجادنا أو نهوي بها في غيابات الذلّ والهوان.

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. ليعلّمنا أن التّاريخ يتبدّل وأنّه متغيّر وأن دوام الحال من المحال وأنّما الاعتقاد بأنّ الزّمن ساكن هو مجرّد قابلية مقيتة للهوان وسكون إلى العيش الذليل..

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. ليعلّمنا أن أوهام الجبر والاضطرار أكبر سلاح يحاربنا به أعدائنا فيصنعون لنا به أصناما يغرسونها في عقولنا نعبدها فتحجبنا عن الواقع.. وما إن نكسر هذه الأصنام فإننا سنذهل بحقيقه الواقع.. عدوّ جبان وجيش خوّار وأبطال من ورق..

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. ليعلّمنا أننا أقوياء وأذكياء وأبطال وإن حُرمنا المال والطّعام.. فالقوّة والبطولة إنّما هي نيّة وعزيمة إن وُجدت رضخ المال والعلم والطّعام، وإن فقدت لم ينفع مال قارون ولا ملك فرعون..

طوفان الأقصى.. الفاضح

 كثيرا ما سمعنا عن قوّة الكيان الغاصب لأرض فلسطين، وعن قوّة المنظومة الدّوليّة الدّاعمة له.. المكوّنة من الأنظمة الغربية والمنظّمات الدّولية والكيانات الاقتصاديّة الكبرى.. أمريكا وروسيا والهند والصّين وأوروبا والأمم المتّحدة والبنوك الدّوليّة والشّركات المتعدّدة الجنسيّات..

وكثيرا ما أوهمتنا أنظمتنا الحاكمة بمختلف مستوياتها السّياسيّة والفكريّة والدّينيّة أنّ طريق التّحرير طويل وصعب.. ولابدّ من بناء الاقتصاد والفكر والسّياسة والصّناعة والزّراعة وتطوير أنفسنا وبناء ذاتنا وتحقيق نهضتنا قبل أن نتكلّم عن التّحرير.. وأيّ حديث عن التّحرير الآن هو طعنة في ظهر مسيرة النّمو والازدهار والتّطور..

وجاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أنّه بعد أجيال من استقلالنا عن الحركة الاستعمارية، لم نبن شيئا ولم نحرّر شبرا.. وأنّنا قد انسلخنا من فكر التّحرير والثّورة، وفي المقابل لم نتبنّ أي فكر بناء نهضوي حداثي حضاري.. وكلّ ما أنتجناه بهذا السّفه من القول هو جيل من المطبّعين المنبطحين اللاّعقين الذين لم يبنوا دولة ولا حرّروا أرضا.. وأكبر إنجازاتهم هو بناء المولات واستيراد السّيّارات ومعانقة الفاجرات وشقّ السّراويل إظهار الحمّالات..

وجاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أن عبور الحدّ الفاصل وإسقاط الجدار العازل لا يحتاج ثورة صناعيّة ولا أموالا بتروليّة ولا نظرياّت فيزيائيّة.. اكتشفنا أنّ عبور الجسر من الذلّ والمهانة إلى العزّة والكرامة لا يحتاج إلاّ إلى دخول الباب.. فإذا دخلتموه فإنّكم غالبون..

وجاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أنّ جزءا كبيرا من خطابات العقلانيّة والحفاظ على مقدّرات الأمّة وعدم تضييع مكتسبات البناء ومسيرة النّهوض ونسيج الأمّة ما كانت إلاّ مهدّئات ومسكّنات هدفها تخدير الجيل الحاضر لإنتاج جيل قابل منعم مترف يرى الدّنيا حريرا ومولات ولو كان الثّمن ذلّة ومهانة ومسكنة..

وجاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أنّ الوهن والعجز والكسل هو كلّ ما يمنعنا من استرداد أرضنا، فلا التخلّف عن ركب الصّناعة أو الزّراعة أو أيّ فنّ آخر يبرّر الذلّ والرّضا بالخنوع.. ففي عصرنا الحالي.. كلّ علم وفن وصناعة يشترى أو يستنسخ.. فلا عذر للمثبّطين والمحبطين.. فالأمر برمّته لا يحتاج إلاّ لكلمة واحدة.. بسم الله!

طوفان الأقصى.. وأوهن من بيت العنكبوت

 ممّا أفاء الله به علينا بطوفان الأقصى وما تبعه، أنّنا اكتشفنا كمّ الزّيف والخداع والكذب الذي سوّق له أعداؤنا ونشره بيننا عملاءهم فثبّطوا به الهمم وأحبطوا معنويات الشّباب والشّيوخ والرّضع وحتى الأجنّة قبل أن تولد..

لقد قالوا أنّ الكيان الغاصب أقوى منّا ولا يمكن هزيمته.. كيف؟ لأنّه يأكل ما يزرع، ويصنع أسلحته وله من العلوم والفنون والتكنولوجيا ما يموّل به أمريكا وأوروبا.. فهو العقل المدبّر وكنز العلوم والمعارف والأسلحة للعالم المتطوّر.. فكيف سنهزمه؟

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أنّ علومه وأقماره التّي روّجوا لنا أنّها ترى ملابسنا الدّاخلية لم تتمكّن من رصد الآلاف من المجاهدين بسيّاراتهم ودرّاجاتهم وطائراتهم وعتادهم.. بل ولم ترصد فتحة نفق عند أنوفهم خرجت منه السّيارات وعادت محمّلة بالأسرى إلاّ بعد أكثر من سبعين يوما من القتال؟

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أنّ تكنولوجيّاته الدّقيقة المخيفة الموسومة بالذّكاء الاصطناعي لم تستطع حماية دبّاباته من بواسل حفاة جاؤوها سيرا على الأقدام فثبّتوا الحديد على الحديد وفلّوا عائدين وليفلّ الحديد الحديد..

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أن أكثر من عشرين سفينة وما يزيد عن المئتي طائرة جاءت من أمريكا محمّلة بالسّلاح والعتاد لقتل إخواننا في غزّة.. فأين مصانع السّلاح وأين العمالقة الذين يصنعون أسلحتهم بأيديهم؟

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أنّ أجور المرتزقة شذّاذ الآفاق من فرنسا وأسبانيا وأكرانيا ممّن جاؤو ليُذبّحوا أبناءنا في غزّة.. أجورهم تُدفع من التّبرعات.. تبرعات القردة عبر العالم.. وأكلهم وأكل الخنازير من جيش الاحتلال من التّبرعات أيضا.. ثمّ يقولون لنا إنّهم دولة الحقّ والحقوق والميزانيّات المضبوطة والحسابات العلميّة.. ثم يقولون لنا تريدون بناء دولة وتحرير فلسطين بالتبرّعات.. ما لكم كيف تحكمون..؟

ثمّ جاء طوفان الأقصى.. لنكتشف أنّ من استحل دماءنا وقتل شعبنا مجرّد فقاعة هواء هي أوهن من بيت العنكبوت.. ولولا دماء الغرب المتدفّقة على هذا الكيان لانفعص أمام أوّل دعسة من حذاء طفل لم يفطم بعد في غزّة.. والله المستعان..