سيجارة العيد

مما رأيت في يوم العيد من أخبار آخر الزمان مشهد لن تراه حتى في سكاتشات ما بعد الإفطار. إنه مشهد مضحك مبكي، لا يقوم به إلا من كان أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يقيم حدود الله. ابتليت بأداء صلاة العيد خلف إمام ابتدأ المأساة بتقديم الصلاة عن وقتها بربع ساعة، ففوت الصلاة على أكثر الناس من المعذورين والمخلفين ليتحف آذاننا بعد ذلك بخطبة عصماء ليس للعيد فيها نصيب إلا قوله "هذا يوم عظيم" ؟!؟!
ليشرع بعدها في الوعيد من عذاب القبر وعذاب الآخرة مزاوجا التكبير بالبكاء والنحيب.. والناس بين غافل عن الخطبة أصلا –وما أكثرهم– وقلة مذهولة تراجع بعضها عن المقام أهو عيد أم تشييع. وهنا يأتي المشهد السينمائي الرائع للكمبارس الصامت الناطق.. شخص عليه وقار وجلباب أبيض وعمامة بيضاء يخرج من المسجد إلى بابه ويجلس في الظل منصتا للإمام أو هكذا يبدو.. ولكن.. آخذا في إشعال سيجارة ومن ثم التدخين وطأطأة الرأس تجاوبا مع الإمام في خشوع وخنوع..
فأين الخلل يا ترى، أفي هذا الإمام الذي يتفنن في تعذيب مأمومه بخطبة غير مفهومة أصلا وخارجة عن المقام وفارغة عن المضمون؟ أم في المأموم الذي تتجاذبه السيجارة والخطبة فيجمع بين الدليلين فينصت للإمام ويدخن عند باب المسجد رفعا للحرج؟ أم لباقي المأمومين الذين ارتضو لأنفسهم إماما كهذا ومأموما كذاك؟

مباوسة العيد

العيد فرصة للتسامح والتغافر ونسيان الأحقاد والضغائن، مثله مثل باقي المناسبات السعيدة كالأفراح والأعراس والولائم. وهذه الفكرة كثيرا ما نسمعها على المنابر وفي الكلمات والمواعظ، ولكن هل نفقه حقا معناها؟
العيد فرصة للتسامح الحقيقي، الذي يكون انطلاقة حقيقية لعلاقة جديدة وقودها الإخلاص والثقة والمودة، سواءا بين الأصحاب، أو الجيران، أو الأقارب. فهل يا ترى قد وفينا حق أعيادنا من هذا الجانب؟ وهل تتساقط عنا خطايانا بعدما ننفض من مجلس "المباوسة" العيدية الروتينية؟ الظاهر من أفعالنا أن لا شيء من هذا يحصل، بل تزداد أحقادنا وأدراننا وتقتصر زياراتنا في العيد على "رفع العتب".
فإذا قلنا أننا نتزاور في العيد لوجه فلان أو فلان، فقد أردفنا على أوزارنا وزر الشرك! وإن قلنا أننا نتزاور لوجه الله تعالى، فهل أمرنا ربنا بالتزاور لمعانقة الأجساد أم لملاطفة الأرواح والضمائر؟ وكيف ألقى أخي في العيد بوجه عبوس وأقول ما سلمت عليه إلا لوجه الله؟! وكيف أدعو له بالقبول من الأعمال وتقاسيم وجهي تدعو عليه برد الإسلام كله عليه لا عمله فحسب؟؟
حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن حول الأعياد من مناسبات لبناء الأواصر إلى مجاملات لرفع اللوم والعتب.