الاحتجاج

عندما لا تستسيغ طبقا أو وجبة ما على الغداء أو العشاء فليس من الحكمة دائما أن تعترض أو تبدي اعتراضك صراحة، وبالتعبير المعاصر، ليس لك دائما أن تحتج! فإن للاحتجاج التلقائي العفوي آثارا قد تكون عكسية.
الاحتجاج إقامة الحجة على "المحجوج". ولإقامة هذه الحجة يجب أن يكون الاحتجاج جادا لا تهريجيا بحيث يكون: أولا - مؤثرا بحيث يتضرر منه "المحجوج" أو يحرجه ويسبب له ضيقا على أسوأ التقديرات. وثانيا - ذو هدف ومرمى بحيث تطرح البديل الأفضل على ما تحتج عليه ليكون هذا مطلبك من الاحتجاج فلا يكون الاعتراض من أجل الاعتراض. وثالثا - أن تعترض على ما يعنيك أنت لا على ما أصاب الآخرين برضاهم لأن هذا من الوصاية الممقوتة ومن الهزل وربما من قلة الأدب أحيانا. فلا يمكنك مثلا أن تعترض على وجبة لن تدفع فيها فلسا بل قدمت لك مجانا، ولن يضير امتناعك عنها لا طباخها ولا مقدمها، ولا الداعي إليها ولا حتى جليسك على المائدة، فأكلك وعدمه سيان وربما كان عدمه وقيامك أولى. فاعتراضك هنا يدخل في السفه والتهريج الذي يثري مرحا وترويحا على المجلس، فتكون إذ ذاك قد أفدت من باب إرادتك الضرر، وهنا سفه آخر. كما أنك لا يمكن أن تعترض على طبخة هي أقصى ما يمكن للطاهي أن يجود عليك به في ضوء ما اشتريت أو ما دفعت، فلا يمكنك مثلا أن تعترض على أكلة لأن اللحم غير موجود فيها، وأنت أصلا لن تدفع أكثر من ثمن كسرة يابسة، وقد جادوا عليك بالفارق. كما أن من عدم المنطق أن تأتي للبيت -وليس فيه شيء- بخبز وحليب، ثم تقيم الدنيا لأن المائدة ليس عليها سمك! لأن السمك لا يصنع بالخبز والحليب وإنما بشيء آخر. وثاثلة الأثافي أنه ليس من الأدب أن تعترض على أكل صاحبك الخضر بلا طهي، وهو قد استمرأه وارتضاه لنفسه، لعلة به أو لمرض أو حتى لجنون. لا يحق لك ذلك لأن ذلك "لا يعنيك!" وهو خارج نطاق حكمك ورأيك ففي الأكل والذوق والطعام لست وصيا على أحد! فإذا رأيت نفسك خارج هذه الأطر، وأردت الاعتراض، فلك ذلك، على أنك المسؤول وحدك عن سحب طبقك، أو استمرار جوعك، أو حتى موتك من غصة تلحق بك دون أن يسعفك أحدهم بشربة ماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق