أزمتنا مع الماضي (1)

كثيرا ما نسمع من شيوخنا وأساتذتنا ومن يكبرنا سنا، ولو بسنوات نقدا كثيرا لسلوكاتنا وتصرفاتنا بسبب ومن غير سبب لدرجة تجعلنا نعتقد أننا لا نصلح لشيء. فلا يمكن أن نقترح اقتراحا مفيدا أو نتصرف تصرفا لائقا، أو نعمل عملا صالحا أبدا! وعلى الجهة المقابلة، ذهب الأوائل بالفضل الأول، وأتوا بما لايقدر عليه أحد، ولم يترك المتقدمون للمتأخرين شيئا! وهذا العالم لابد زائل بزوالهم، فعلى الدنيا السلام، والسلام عليكم ويرحمكم الله!
إن هذا لشيء عجاب، وإن ما نعانيه اليوم وتعانيه الأمة منذ قرون يعود قسط كبير منه إلى هذا الإحباط المزمن للأجيال من الأجيال السابقة لها! فإذا تقصينا جميع محطات النصر التي مرت بها الأمة الإسلامية عبر التاريخ، وجدنا صانعيها شبابا! بدءا من الوحي الإلهي على خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وكيف انبرى الشباب لعادات وأوثان الشيوخ، مرورا بالفتوح العسكرية كالأندلس والقسطسنطينية، فالفتوح الفكرية لأبي الحسن الأشعري وابن رشد وغيرهما، وصولا للحركات التجديدية لابن باديس وبن نبي وغيرهما، ثم الثورات التحريرية في الجزائر وغيرها.. وفي كل نجد أن الصلاح والتغيير الذي يحكم عليه التاريخ لاحقا كان دأب الشباب أو يتبعه ويحققه الشباب، فيما القوة المثبطة والمُحبطة فيه ذهنيات أشباه المشايخ ومُدَّعُو الحكمة والحقيقة المطلقة -دون تعميم طبعا-! وعلى عكس ذلك نجد فترات الركود والرقود هي السنوات التي تسيطر فيها قدسية التقليد والتقديس والتأليه أحيانا. فكلما سادت فكرة الشيخ والسيد والزعيم الأوحد والمفكر الملهم، دخلت الأمة مرحلة الاستكانة والرضى بالنوم والكسل، وتعطلت آلة الفكر والعمل، وأصبح الناس موظفين لدى المجتمع لا أفرادا منه! ولا تنقصنا الأمثلة على ذلك من بداية الحكم الأموي، مرورا بعصر الضعف -وليس هو عصر الضعف الوحيد في تاريخ أمتنا- وما جره من تتار وأتراك، وصولا لما نحن عليه اليوم. فإذا كانت هذه شهادة التاريخ، فكيف يحق لأي كان أن يحبط همم الشباب ويسفه أحلامهم، ويصفهم بالغوغائية والتهريج وعدم تحمل المسؤولية، ويصر على الوصاية عليهم وحرمانهم من أبسط صور الحرية في الفكر والعمل؟ أم أن وراء السلوك أفكار أخرى؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق