الشهادة والتعليم والمعرفة

استوقفني اليوم على أمواج الإذاعة الوطنية حديث مع مهندس في الإعلام الآلي وهو يتحدّث عن البرمجة، وكيف أنّه يقدّم دروسا للشّباب عن البرمجة لصناعة التّطبيقات وكيف أن هذه المهنة مربحة خارج الوطن، وفهمت أنها خارج الاهتمام داخل الوطن...
وتذكّرت يوما رأيت فيه إعلانا عن تعلّم لغات البرمجة (بالمقابل المالي طبعا) مُعلَّقا في أروقة قسم الإعلام الآلي (أي قسم تعليم البرمجيات!) في جامعة من أكبر جامعاتنا...
وتذكّرت أيضا مئات الإعلانات في كليّة الطّب عن تعلّم طريقة العلاج هته أو تلك.. وكليّة الهندسة عن استعمال أداة الرّسم هته أو تلك.. وكليّة علم النّفس وكليّة علوم الأرض وكليّة الكيمياء والفيزياء وباقي كليّاتنا التي مَنُوطٌ بها تعليم كلّ هذا.. لكنّ الطّالب وحتّى المتّخصّص الحاصل على شهادة من هذه الكليّات يلتحق بهذه الدورات وينفق الأموال في دروس يقدّمها أحيانا أناس ليسوا جامعيين أصلا!؟
وهنا نلمس مفارقة غريبة أركانها الشّهادة والتّعليم والمعرفة!
فالطّالب في الجامعة يبحث عن الشهادة غير مبال بمعرفة كانت أم لم تكن، ففي سبيل هذه الشّهادة قد يسلك طريق التعليم بشِقَّيه المقرّر والذّاتي (وهو مذهب أهل النية والطيبة، وهم قليل!) وقد يسلك طريق الغشّ أو المقايضة أو القفز أو الزّحلقة أو الطّيران أحيانا (وهو مذهب الشّطار، وما أكثرهم!) وكلّ هذا بتواطؤ من الأستاذ الذي وجد راحته وسكينته بتكرار مقرّرات من زمن ألف ليلة وليلة يمثّل بها دور المدرّس ليبرّر راتبه الذي يتقاضاه آخر الشّهر..
وبعد الحصول على الشّهادة.. يجد الطّالب نفسه أمام جهل مذقع وظلمات بعضها فوق بعض.. فيبحث عن المعرفة بعد الشّهادة التي ينبغي أن تكون مُتوِّجة للمعرفة لا قبلها.. فيسلك طريقا آخر لا يخلوا من القفز والزحلقة والطيران.. عن طريق أشباه المعلّمين في أشباه الدّورات التي تجعل منهم أشباه خبراء يلوكون المصطلحات ويتشدّقون بفتات المعرفة التّي تخدع السّاذج وتستحمر الزّبون وتبقي على جهل الجاهل..
وبين الشّهادات على معرفة معدومة.. والمعرفة السطحية بكلمات لا معنى لها.. ضاع التعليم وانصرف عنه الطالب والأستاذ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق